د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل كتب علينا التيه والشتات ؟؟

لم تكن تلك الهجرة القسرية من أرض الوطن " الجنوب " هي الأولى وحتما ليست الأخيرة فقد امتدت تلك الهجرة منذ آلاف السنين وبعد استقلال الجنوب خرجنا مكرهين من أرض الوطن في ليالي مظلمة تحت وابل من الرصاص وأسراب الحاقدين من بني جلدتنا يلاحقوننا ويقتفون إثرنا بالجبال والشعاب ليلا ونهارا طوال 8 أيام بلياليها ونجانا الله حتى عبرنا الحدود !!
وأخذتنا رياح الغربة في أكنافها وطوتنا الأيام والليالي والسنين في سجلاتها ورغم ذلك العذاب كنا نحلم بالعودة إلى الوطن الذي ضاع منا في غفلة من الزمن عندما باعه الخونة الماركسيون وتنازلوا عن سيادته وأصبحوا سدنة وخداما على أبوابه !!
طردوا مئات الأطفال والعائلات و قذفتهم شاحناتهم العسكرية وسط الصحراء في الوقت نفسه عاد الرجال المجاهدون يترصدونهم كل ليلة داخل أرض الوطن واحتموا بالجبال والكهوف وأخذوا يشنون الغارات على قوافلهم وسقط العديد من الشهداء ولكننا أوجعناهم بقدر ما أوجعونا !!
لم نكن نعرف أن دهاليز السياسة مظلمة فضاعت قضيتنا وسط ركام المهادنات والصفقات السرية و أصبحنا بلا وطن حتى في عهد الوحدة المزعومة !!
حروب وموجات من الدمار مستمرة إلى اليوم ونحن لازلنا نجوب الآفاق نبحث عن لقمة العيشَ أو طن حيث لا وطن وأصبح اليمني شمالا وجنوبا مهانا في أصقاع الأرض وقد سدت أمامه الأبواب !!
والعيب ليس على الآخرين بل أنها أعمالنا السيئة وقد ارتدت علينا !! 
ولدت يابني وكبرت في الغربة وأنت لم تعرف وطنك ولم تطأ ثراه ونصيحتي لك وقد تعلمت بعد أن نلت أعلى الشهادات أن تهاجر إلى الغرب وتبدأ حياتك ومستقبلك سافر و سترى شعوباً غيرنا و ستعرف وجهاً آخر للحياة. ستصدق كم كذبنا حين قلنا
أننا حضارة وتسامح وقيم ..نعم لدينا دين عظيم ولكننا لا نعمل بتعاليمه ونصوصه والعصبية الجاهلية لازالت تكمن في قلوبنا وخناجرنا ونقتل بعضنا بعضا تحت عناوين ابتدعناها لنبرر قتل أهلنا وإخوتنا... و ستتأكد أننا لسنا خير شعوب الأرض ولا أعرقها و لا أطهرها كما ندعي، ستكتشف أن بلادنا ليست خضراءكما كانت بل أصبحت قاحلة مجدبة وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن عندما كانت بلدة طيبة ورب غفور ولكنها كفرت بنعم الله وأرسل عليها سيل العرم كما ورد ذلك في القرآن العظيم فقال سبحانه وتعالى : لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) 
وأراد سبحانه أن نكون عبرة لغيرنا فشتتنا ومزقنا كل ممزق ونكون عبرة لغيرنا من عبادة وعظة !!
ولا زالت لعنة الخروج من الأوطان تلاحقنا كبني إسرائيل منذ فرارهم من مصر ومطاردة فرعون لهم حتى اليوم!‍!
ولكن اليهود اليوم أفضل منا حالا ..أما نحن منذ سيل العرم ونحن في الشتات 
لم نستوعب الدروس الربانية ولم نتب إلى الله ونرحم بعضنا بعضا !!
ستعلم أننا فشلنا أن نتعايش و نحيا مع بعضنا كبشر؛ بل أصبحنا عبئاً ثقيلاً على أنفسنا و على الإنسانية. 
ستكتشف يابني أن روح الجاهلية ما زالت في عروقنا وأننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس و سترى أنك وسط مجتمع يسبح في النفاق و الرياء و الكذب لا زالت روح الأسود العنسي تتقمصه وعصبية أبا جهل تتدثر روحه و الخرافات و الأساطير الخيالية ترافقه في صحواته ومنامه !!!
سترى أننا لا نملك الحقيقة المطلقة لأسرار الكون و الدنيا و الآخرة كما نظن و لسنا الذين نستحق الجنة إن كنا نستحقها...!!
ستتأكد أن لا وقت و لا طاقة و لا رغبة و لا حاجة للغرب في التآمر على ديننا و مذاهبنا كما نتوهم لأننا نحن من نتآمر على بعضنا و ندمر أوطاننا بأيدينا؛ حيث مازلنا نعيش في القرن السابع خارج الزمن.
ستتأكد أننا لسنا في معركة مصيرية مع شياطين الكفار و الماسونية العالمية والحقيقة أننا لا نحارب إلا أنفسنا!!
. سترى أننا أسأنا لديننا أكثر من أعدائه الذين نصفهم بالمردة والمارقين !!
ستكتشف أن لا أحد من رجال الدين أو الأحزاب الملتحفة بالدين يمتلك تفويضاً أو مرسوما إلهيا بالتحكم في مصائرنا وأقدارنا كما يدعي البعض منهم.
وعندما تسافر ستجد أولئك القوم الذين دخلت بلدانهم البعيدة بعد أن عبرت البحار حتى وصلت إليهم بعد أن شاهدت الموت عشرات المرات حتى وصلت .. وأنت خالي الوفاض لا يستر جسدك إلا أسمالا بالية ولا تملك درهما ولا دينار بعد أن ابتزك المهربون والقراصنة في رحلات الموت حتى وصلت منفاك الجديد !!
أنت الآن في كندا أو السويد أو ألمانيا ..لا شك أنك 
ستتبادل الأفكار بلا حدود مع رجل غريب في مطعم أو مقهى، و تتبادل الابتسامات مع امرأة حسناء في الشارع دون أن ينظر أحد إلى عرقك أو لونك أو عقيدتك غير أنك إنسان فقط؛ تشعر بإنسانيتك لأول مرة كما لم تشعر بها منذ ولدتك أمك !!.
ستتعلم اللياقة واللباقة و احترام الغير وبالمقابل ستنال احترامهم!!
. وستخجل من الأشياء التي وستصبح مرموقا ومشهورا خارج وطنك !!
نعم ستخجل من تلك التصرفات البس كنت تقترفها كبديهيات في وطنك كرمي عقب السيجارة أو عبور الشارع والإشارة حمراء أو تبصق في الشارع !!
ورغم أنني أثق أنك ستحقق نجاحا وتتفوق في تلك البلاد وحتما ستكسب آلاف الدولارات وربما عشرات الآلاف ومع ذلك كله 
سوف تشتاق كل لحظة للوطن و الأهل و الأصدقاء، و ستفتقد جلساتهم و ضحكاتهم و رائحة خبزهم و ستفتقد أصوات الباعة في الحارات ..وصوت الأذان من على منارات المساجد ..و صلاة الفجر ..ستشتاق لليالي رمضان ..ومائدة الإفطار وصلاة التراويح . لكنك تخاف أن تعود يوماً، و إن عدت فلن تكون أكثر من زائرٍ عابر أو ميت في تابوت لا محالة، حيث سيصبح القبر في وطنك أقصى أمانيك منه ولسان حالك يقول أما لهذا الفارس أن يترجل وأما لهذا الليل من آخر !!!
د. علوي عمر بن فريد