ماجد السامرائي يكتب:
العراق.. حكومة جديدة عرجاء
مظاهر التصرف لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي خلال فترة تكليفه بالحكومة كانت تشير إلى أنه متمكن على المغامرة معتقدا أن حزام كتلتين شيعيتين نافذتين، سائرون والفتح، يكفيه للدخول إلى قاعة البرلمان، والحصول على تمرير سهل لكابينته الوزارية رغم الضربات الجانبية التي وجهها إلى عموم الأحزاب في منعه ترشيح من هم أعضاء في البرلمان للوزارة الجديدة، أو فتحه باب الترشيح عبر الإنترنت، وقبلت قيادات تلك الأحزاب ذلك وضغطت على مواليها من البرلمانيين كجزء من طعم كبير ألقوه في فم الرجل الحالم بالتغيير من داخل النظام السياسي القائم.
كان عادل عبدالمهدي حريصاً على السرية في مفاوضاته مع جميع الكتل السياسية، مستخدماً خبرته بواقع تلك الأحزاب ونهمها للوزارات، ومدركا أنه لا هو ولا غيره، مهما كانت مكانته السياسية، قادر على حلحلة نفوذ تلك الأحزاب وتوجيهها لمقدرات النظام السياسي القائم مهما قيل من فنون الكلام الجميل في وسائل الإعلام، خصوصاً التصريحين المهمين لكل من مقتدى الصدر وهادي العامري بأنهما منحا عبدالمهدي حرية التصرّف والاختيار.
فالواقع أفرز قصصا تسربت خلال الأيام الماضية عن صفقات المحاصصة الطائفية الناعمة في توزيع الوزارات التي تنقسم إلى خدمية وسيادية. وليس صحيحاً ما يشاع أن الوزارات الخدمية هي فقط خزينة المال، فمعظم فضائح الفساد المالي والإداري فاحت رائحتها من وزارتي الدفاع والداخلية في مجالي التسليح والأمن الداخلي.
وكانت معظم التسريبات التي تكثفت خلال اليومين السابقين لجلسة مجلس النواب قد تحدثت حول احتمال تأجيل تسمية وزارتي الدفاع والداخلية لحساسيتهما في ظل تغييرات دراماتيكية بالترشيحات. وقد أفصح عادل عبدالمهدي خلال خطاب التكليف عما واجهه من صعوبات حتى قبل ساعة من مجيئه للجلسة.
جاءت المفاجأة الصادمة لعبدالمهدي من ممثلي الكتلتين الداعمتين، سائرون والفتح، وافتعلت قصة نقص المعلومات والسير الشخصية المدعمة للمرشحين، وجرت انسحابات من الجلسة، وكانت تلك المظاهر تشير إلى أن عبدالمهدي لم يحسن المناورة حول الحقيقة التي حاول الإيحاء فيها بأن الأحزاب قد تجاوزت المحاصصة، وأن التوافق بين كتلتي فتح وسائرون لم يكن صمام الأمان بعد أن تم بلع قصة “الكتلة الأكبر”، فهناك الكتل السنية التي انقسمت على ضفتي تلك الكتلتين الشيعيتين، وأصبح الكأس المعلّى لكتلة المحور التي يقودها خميس الخنجر الذي لم يكن مرغوباً من جميع الزعامات الشيعية، وسبحان مغيّر الأحوال حين جلس إلى منضدة واحدة وسط كل من نوري المالكي وهادي العامري في تسوية قيل فيها الكثير.
كانت قصة ترشيح وزير الدفاع محلّ خلافات داخل المجموعة السنية، رغم أن القائمة الوطنية بزعامة إياد علاوي قدّمت عدة مرشحين أبرزهم فيصل الجربا، وقيل إن عبدالمهدي وافق عليه في حين أن كتلة الفتح قدّمت هشام الدراجي بدعم من صالح المطلك وسليم الجبوري، وحصل التغيير في اللحظات الأخيرة بعد الضغوطات حيث تم رفع اسم فيصل قبيل دقائق من دخول القاعة.
أما وزير الداخلية الذي رشّحته كتلة فتح وهو فالح الفياض الذي أقصي من قبل رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي فإن كتلة سائرون لم توافق على ترشيحه. فلم تحصل التوافقات حول الوزارات السيادية ما عدا الخارجية التي قيل إن وزيرها من عائلة الحكيم ووزارة المالية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي أعاد الثقة بفؤاد حسين مرشح رئاسة الجمهورية الخاسر أمام برهم صالح. لعبة توافق الفتح وسائرون لم تنجز المهمة وظلت معلقة وخرجت حكومة “الأربعة عشر وزيرا”، كخيار الاضطرار، حكومة عرجاء لكي لا يفشل عبدالمهدي في أول خطوة التكليف وتحال إلى غيره وبذلك تدخل جميع الأحزاب في مأزق جديد.
هناك بعض الأسماء المهنية التي دخلت الوزارة الجديدة مثل وزراء النفط والخارجية والصحة، لكن المشكلة الحقيقية هي أن نظام المحاصصة رغم تغيير آلياته لتصبح كتلتين لم يحقق رغبات الناس في مجيء حكومة قوية مستقلة. فالحكومة ضعيفة ورئيس الوزراء الجديد ما زال داخل قاعة الامتحان، أما برنامجه الحكومي فله حديث آخر.