د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عدن نجمة المحيط..وسنديانة الوطن!
سلام عليك يا عدن.. يا عروس المدن ونجمة المحيط التي تتمدد على جبهة الزمن..وتستلقي على شواطئ بحر العرب وتتوسد جبل شمسان الأشم ..عدن التي امتزجت فيها الحكايات والتاريخ بالأساطير منذ أن عمَرها الصادقون الطيبون الذين تكبدوا الصبر والمعاناة والألم وهم يصدون جحافل الغزاة عبر العصور .. دون أن تنحني هاماتهم إلا لله عز وجل.
عدن التي تضج مناراتها ومنابرها طوال السنين بالتهليل والتكبير أن حيا على الصلاة.. حيا على الفلاح ..ويتردد صدى صلواتها وابتهالاتها وتشق عنان السماء.. وشعاب جبل شمسان.
عدن التي اجتذبت بموقعها الجغرافي الهام العديد من الهجرات والثقافات والملل من هنود وأتراك وأفارقة وأوربيين وهندوس وبوذيين وتشكل من هذا التباين مزيجا فريدا من الثقافات ومجتمعا حديثا منفتحا متسامحا .
عدن التي قال فيها الشاعر العربي عبده بدوي:
ماج الصباح وغنى حولنا الزمنُ
لما تبدلت في فجرها عدنُ
يا وردة البحر قد جئناك في فرحٍ
والعين لما يزل في هدبها الوسَنُ
عدن المدينة التي تتضوع أحيائها وبيوتها برائحة العود والبخور العدني .. والفل و الكادي اللحجي من الغروب وحتى انبلاج نور الصباح.
عدن يا سيدة المدن ومرسى سفن الأحلام التي ارتبطت فيها الأرض بالتاريخ والشعر والأدب, وتعانقت فيها الشجاعة والفروسية في عشق أبدي تتردد ألحانه على شواطئها لتنشر الفرح في أحيائها و أزقتها.. وتعزف أوتارها ألحاناً وأشجاناً تتسلل إلى القلوب فتهز الوجدان والأركان.. وتغني للحب والحياة والإنسان.
عدن حاضرة الجنوب وسنديانة الوطن..كنا نرى في صباحاتك الندية ما يرضي النفس المترعة بالتسامح.. عندما كنتِ تضمين في أحضانك أصنافاً وألواناً وطوائف من البشر عندما كان يحكمكِ المخلصون من أبنائك الكبار.. كانت دواوينك تفتح لكل قادم وغريب .. حتى جعل القائمون عليك مصلحتك قبل مصالحهم.. وكانت ولا زالت أيامهم تروى وذكرهم لا يُنسى.
لذا بقيت يا عدن آمنة مطمئنة متسامحة بأهلك الخيرين طوال عقود من الزمن .. كنت مركزاً تجارياً عالمياً يفوق الوصف والخيال.. يُشار إليه بالبنان..وبعد الاستقلال
تولى أمورك حفنة من الصبية القُصر والمراهقين الجامحين.. وباعوك دون مهرٍ ولا ثمن وسلموك قسراً للطامعين والجياع.. أرباب السوابق والإجرام..
وأذاقوكِ في عهدهم الخسف والهوان.. وفتكوا بأبنائكِ وأوغلوا في الفساد والرذيلة وسفك الدماء.. وكانوا يقتلونك عشرات المرات.. وأنت تقاومين وتطاولين شمسان بشموخك وإبائكِ وترفضين الخضوع للغزاة والأوغاد والأوباش.. لصوص الليل وزوار الفجر.. ومرت الأعوام وهم في غيهم سادرون.. لم يرحموا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً من أبنائكِ.. وكانت الجراحات نازفة..تدمي القلوب.
..وبعد أن نزفت أوردتك وشرايينك حتى الموت سلموك وباعوك لغزاة جدد باسم "الوحدة" ..وأشعلوا حربهم عليك واجتاحوك عام 1994م دون رحمة ولا شفقة ولم تسلم الأشجار والأحجار والمساجد والمدارس والمزارع والبحر والسهل والجبل من نهبهم و من غزواتهم المتلاحقة واجتياحاتهم المدمرة حتى أصبح الحُزن عنوانكِ و الدمع لا يفارق أهلنا فيكِ ...وباسم الوحدة اجتاحوك من جديد عام 2015م ودمروا ما بقي من مشاهد الجمال والشموخ فوق ثراك
وانتفض الرجال من أبنائكِ لصد الغزاة الجدد والتحموا معهم في مواجهات دامية ودحروهم وطردوهم حتى أخرجوهم.. وبقيت خلاياهم النائمة..وفئرانهم مختبئة في جحورها لا تظهر إلا في الظلام لأنها تخشى النور.. تحمل ثقافة الموت واستباحة دماء المسلمين الآمنين في عدن.. وهم يدعون الإسلام وهو بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف.. سلاحهم الغدر والخيانة..
يلاحقون الشرفاء وعشاق الحرية الذين يقارعون الاحتلال ويقتلونهم غيلة وغدراً حتى سقط المئات من شبابنا الباسل.. ولا يسعنا اليوم إلا أن نترحم عليهم فهم مع الخالدين ونقول لهم:
سلام عليكم محتسبين وقد ارتحلتم بعد أن حققتم الحرية لشعبنا ونلتم شرف الشهادة..
سلام على كل شهيد منكم سقط على ثرى الوطن وأديمه الطاهر..
سلام عليك يا عدن.. على رجالك ونسائك وأطفالك وشيوخك..
سلام عليكم أيها الرجال الأشاوس من المقاومة الوطنية الباسلة..
سلام للنشامى من الأجهزة الأمنية..عيون الوطن الساهرة وحراسه..
سلام على كل بيت ومسجد ومدرسة في عدن وسائر أرض الجنوب..
وشلت أيادي الغزاة المجرمين وسدنتهم الخونة الذين يريدون أن تكوني وكراً للإجرام والإرهاب..!!
اليوم تجاوزنا الربع الأول من السنة الرابعة للحرب.. ولا زال تجار الحروب وحكومة "الشرعية " وسماسرة الموت يدمرونك ويقتاتون على جراحاتك وآلامك ويعبثون بكل شيء فيك من مضاربات على العملة وشح في النفط والغاز والكهرباء والمياه وسائر الخدمات الأخرى والبنية التحتية .. ويحاربون المواطن في رزقه لتجويعه وتركيعه ولكن هيهات ..حتى شمل العبث كل محافظات الجنوب الأخرى ..وينشرون عبر وكلائهم وشبكاتهم الموت لكل هامة وقامة شامخة في الجنوب
سلام عليك يا عدن.. وشبابك يموتون... وجرحاك يذوون كالزنابق في الخارج ..لا يجدون الدواء ولا الشفاء لجراحاتهم ...ليس هذا فحسب بل أن أبناء الجنوب يقاتلون في الساحل الغربي لليمن مع شعب يرفض الحرية ويأبى الانعتاق من شراذم الحوثيين ويعيدون لك شباب الجنوب في توابيت الموت ..!!!ّ
وأنتِ صامدة صابرة تواجهين قطعان الإجرام وأعداء الحياة.. الذين سخرهم النظام الهرم البائس و أطلق عليهم مسميات شتى..
لقد أرادها المجرمون حرباً مفتوحة عليك .. وهي بلا شك ستكون معركة خاسرة
وحتماً سيتخلون عن الساحة مرغمين لأصحابها الأصليين.. الذين يشترون الموت مقابل الحياة .. سيتغلبون على خوفهم وسيقهرون جلاديهم.. وسيلقون بهم مع كل أدواتهم البائسة في مزبلة التاريخ.
د.علوي عمر بن فريد