سمير عطا الله يكتب:

حبايبها

لو أن سناء البيسي رسامةٌ لكانت بلا أي شكٍ أفضل من صوّر الوجوه وعبّر عن السيماء وأبرز ملامح النفس. لكن سناء البيسي ترسم الوجوه بالكلمات. وبقدر ما أعرف فإنها الأكثر براعةً في هذا الفن. يميّزها عن جميع كتّاب السِيَر الشخصية أنها تحب أشخاصها جميعاً محبة الرعاية، وأحياناً محبة الأم، ودائماً بذلك الأسلوب الإيقاعي المتدفق والمتأهب للدفاع عن حالة الضعف، أو المساندة في حالة المواجهة.

كتابها «سيرة الحبايب: 55 شخصية من قلب مصر» فيه خطأ واحد، أنها ضمَّت إلى هذه الشخصيات واحدة من لبنان أو من أي بقعة عربية، هي فيروز، وشكراً لأنها ضمّتها إلى حبايبها ولوحاتها. (دار الشروق) يا له من خطأ مبدع، لأن سناء البيسي تركت فيروز نفسها تتحدث في بوحٍ مؤلم، عن حياةٍ مليئةٍ بالأوجاع والمآسي والضعف البشري، وجعلتنا جميعاً نفهم لماذا أحاطت نفسها بذلك السور الاجتماعي الذي لا يخرقه أحد.

لو أردت أن أختار أفضل اللوحات في هذه المجموعة لما استطعت طبعاً. لأن الكاتب المبدع يتساوى في عطائه على نحوٍ مذهل. ويستحيل عليك أن تعثر في رحلتك معه، على هبوطٍ مفاجئ أو اجتهادٍ ضعيف. وأياً كان الموضوع الذي تكتب سناء البيسي عنه فإنني أهيئ نفسي دائماً للإعجاب والتأثر.

لكن إذا كان لا بد من التوقف عند سيرةٍ ما، رجاءً أن تقرأ ما كتبته عن الرئيس محمد نجيب بعد الإفراج عنه «... رحت للشيخ الشعراوي بعد الإفراج عني في بيته في سيدنا الحسين وقلت للحارس قل لفضيلته واحد اسمه محمد نجيب عايز يقابلك، رد وقال لي، الشيخ نايم دلوقت يا عم نجيب لما يصحى نبلغها له، قلت له أنا مش طالب حاجة أنا محمد نجيب اللي كنت رئيس الجمهورية، قال طيب اقعد استريح على الكنبة يابا لغاية ما يصحى فضيلة الشيخ وأبلغه... عشت في الممنوع، ممنوع زيارة صديق في بيته، ممنوع دخول أي محل شراء، ممنوع تفصيل بدلة عند ترزي، ممنوع التردد على أية وزارة، ممنوع عمل توكيل لمحامٍ، وممنوع استقبال جثمان ابني في المطار، وممنوع ينكتب اسمي في نعيه، وممنوع أقف للقائه على باب المدفن وهو يوارى التراب... في حياتي مات أولادي الثلاثة من صلبي كل منهم بمأساة، ومات معظم أبنائي من أعضاء مجلس قيادة الثورة. مات صلاح وجمال وانتحر عامر. ومات عبد الناصر واغتيل السادات».