د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الجنوب والاستقلال الضائع !!

 بعد انقلاب 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن شن قادة الانقلاب الجدد بمساعدة القوات المصرية هجومهما على الجنوب بواسطة فصيل صغير أدلجوه أطلقوا عليه :( الجبهة القومية ) بحجة طرد بريطانيا من الجنوب ..علما بأنها قد أعلنت أن انسحابها من الجنوب سيتم عام 1968م بالوسائل السلمية ..
إلا أن تلك القوى كانت تهدف إلى إسقاط الهوية الجنوبية مستفيدة من مفردات الخطاب الناصري الداعي للوحدة العربية ..وصدقتاهم ولهثنا بقضنا وقضيضنا خلفهم ..
وسخرنا من كبارنا وأمرائنا وشيوخنا ووجهائنا وعلمائنا .
وصمناهم بالجهل والغباء والتخلف.. رغم طيبتهم وبساطتهم وصدق نواياهم!! وادعينا الحرية والتقدمية ونحن لا نفقه السياسة ولا ندرك أسرارها !!
قفزنا على واقعنا في التاريخ والجغرافيا وصفقنا للأوباش والأوغاد والعملاء ورفعناهم على أكتافنا وعلى أعناقنا !!
حملنا الفؤوس والشعارات والأعلام الحمراء الموشحة بدماء الأبرياء ورسوم المطرقة والمنجل وخيل لنا أن فيها خلاصنا!! .
قرعنا الطبول ونفخنا المزامير.. وفرطنا في قيمنا وثوابتنا.. وهجرنا مساجدنا حتى خلت من المصلين ..وبكت منابرها ومآذنها خوفا ورعبا من الجواسيس وعيون النظام الشيوعي التي تحصي أنفاس المؤمنين !!
نبذنا لباسنا الوطني البسيط.. وتنكرنا له واستبدلناه بقمصان ماو وكابات كاسترو ولباس جيفارا وشعاراته.. فتحنا الحانات ونشرنا الخمور والفجور في بلادنا !!
تخلينا عن تاريخنا وتراثنا وهويتنا وربينا أجيالنا على نبذ قيمنا والتخلي عنها ومحونا من ذاكرتهم سير الصحابة وقادة الفتوحات وأبطال الإسلام في بدر واحد وحنين واليرموك والقادسية وعين جالوت !!
ورسخنا في ذاكرة أجيالنا أن التاريخ لم يكتب إلا في نظريات ماركس وانجلز وتيتو وبريجنيف وان المعارك لم تسطر بطولاتها إلا في لينينغراد وكوبا وجواتيمالا وأمريكا اللاتينية وان التنمية والاشتراكية والعدالة لم تقم إلا في منظومة حلف وارسو !!
اختزلنا الحرية في لباس المرأة وجردناها من حشمتها وشيمتها وسيرنا المظاهرات للمناداة بسفورها والمطالبة بمجونها .
سحلنا علماء الدين في الشوارع والساحات وضربنا رؤوسهم بالفؤوس ورقصنا على أجسادهم !!
قتلنا فرسان القبائل والأدباء والتجار والمفكرين والشرفاء غيلة وغدرا دون جرم ولا ذنب ولا محاكمات !!
نصبنا المقاصل للوطنيين وأعدمناهم جهارا نهارا وخنقا بالحبال في الليالي المظلمة ورميا في الآبار المهجورة دون ذنب جنوه !!
وحرمنا أهلهم من كرامة دفنهم في مقابر المسلمين !!
دمرنا نظامنا الإداري الذي أ سسته بريطانيا كأحدث نظام في الشرق الأوسط ..وأقصينا كوادرنا وأصحاب الخبرة منا في الاقتصاد والمال والتجارة واستبدلناهم بالغوغاء والجهلة وأنصاف المتعلمين !!
قوضنا الاقتصاد وعطلنا التجارة وصادرنا كل مقوماتها وأقمنا مهرجانات الطبل والزمر ورقصنا على خيباتنا وانتكاساتنا وسقطاتنا وشطحاتنا الثورية ..في سبعينات القرن الماضي !!
شعب أحمق يجري خلف الشعارات ونظام أرعن ..لا يجيد غير القتل ..ولا يحسن غير الهدم والتجريف والتخريب ..يجيد شعارات التخوين ويوزعها على مكوناته الاجتماعية !!
يخون الشرفاء من أبناء وطنه ويمجد الأنذال والغرباء والدخلاء والمشبوهين والحاقدين الذين سلمناهم زمام أمورنا واستباحوا ديارنا ونشروا الفتن والأحقاد وزرعوا الضغائن في صفوفنا !!
شعب مغيب سلم أمره للسكارى والرعاع والسفلة وأراذل القوم الذين حاربوا الشرف والفضيلة ونشروا الفساد والجريمة بحجة التقدمية !!
طاردوا الشرفاء والأحرار.. واقتلعوا المبدعين والمثقفين وقتلوا أهل الصلاح والفلاح والتجار والأمناء.. اختزلوا تاريخنا وحضارتنا التليدة عبر العصور بنجمة حمراء ..وثورة حمراء مكاسبها الوهم والسراب ...ويقودها جهلة حاقدون وحزب طليعي فاجر رفعوه إلى مرتبة القداسة !!
وعدونا بالجنة وفتحوا علينا أبواب الجحيم ..لم يشبعوا جائعا ولم يكسوا عاريا يتشدقون بالشعارات ويلوكون العبارات ..ويرددون الأهازيج عبر الأثير.. ويتغنون بردفان وجباله الشماء وهو وأهله أبرياء منهم براءة الذئب من دم يوسف ..بل أصبح ردفان وأهله من ضحاياهم !!
حاربوا الأحزاب السياسية الجنوبية الأصيلة التي تبنت هوية الجنوب مثل : الرابطة والتحرير ..والزعامات والهامات الوطنية وطاردوا المناضلين والمخلصين من أبناء الجنوب وأصبحت الجنوب حكرا للجبهة القومية بداية.. ثم الحزب الاشتراكي اليمني لاحقا و أضاع هويتنا واستلب تاريخنا ..كان هذا هو حالنا من عام 1967م حتى العام 1986م ..!!
عندما نزلت الطامة الكبرى على الرفاق وجعل الله بأسهم بينهم وحلت عليهم اللعنة والذل والمسكنة.. واخذوا يخربون بيوتهم بأيديهم ويذبحون رفاقهم وما كان ذلك إلا جزاءا وفاقا وعقابا من الله لهم على أفعالهم ومنكراتهم التي طالت رفاقهم بالحزب وانهارت دولتهم وتقوضت أركانها وتفرقوا أيدي سبأ !!
وعندما سقطت دولتهم وتهاوى نظامهم انقسموا إلى قسمين قسم هرب إلى اليمن وقسم بقي في عدن ..واستنجدوا بحلفائهم في موسكو التي انهار فيها " الاتحاد السوفييتي" .. وتخلى عنهم حلفاء الأمس وذهبوا إلى باب اليمن طائعين مختارين للوحدة اليمنية التي أرادوها بين نظاميين وثقافتين مختلفتين نتج عنها وليدا مسخا مشوها اسمه الوحدة اليمنية .
وقد يقول قائل من أبناء الجنوب تحديدا :
لماذا جلد الذات في هذه المرحلة ؟ ولماذا التشكيك في قدراتنا في هذه المرحلة المصيرية التي نقف على أعتابها ونحن نسعى لاستعادة دولتنا التي ضاعت من أيدينا منذ العام 1990م ؟؟
وقد تطرح أسئلة أكثر واشد لوما وإيلاما.. لمن يكتب مثلي عن هذا الموضوع وقد اتهم بالانهزامية والتراجع ..بل والتفريط في ثوابت الأغلبية من أبناء الجنوب الذين يسعون جاهدين لاستعادة الدولة الجنوبية الضائعة التي فرطوا فيها ذات ليل !!
وأنني استجر الماضي الأليم وانكئا الجراحات الراعفة وأبقيها في الذاكرة الجنوبية !!
قد يقول قائل : لماذا هذا اللوم والتقريع في هذه الأيام الصعبة التي نحتاج فيها أن نتسامح ونتصالح مع بعضا البعض بل وحتى أن نتسامح ونتصالح مع أنفسنا ؟؟
وأرد بالقول على هؤلاء :
هل استوعبتم الدروس والعبر من كل ما مر بكم في الجنوب منذ 30 نوفمبر عام 1967م يوم الاستقلال ؟
هل كنتم معشر أبناء الجنوب بمستوى الاستقلال وتحكمون أنفسكم ؟
وهل انتم مؤهلون اليوم لحكم أنفسكم من جديد بعد كل هذه الصراعات الدامية ؟
أم ستبقون تابعين وخانعين للغير ؟؟
إنني اشك في ذلك لأنكم لازلتم فرقا وأحزابا وشراذم ضالة ممزقة..لم تستوعب دروس التاريخ ..و لم تتوحد تحت راية واحدة ..ولا زالت جموعكم تركض خلف أعلام النجمة الحمراء ..
وللحديث بقية وهو ذو شجون ..
د. علوي عمر بن فريد