شيماء رحومة تكتب:

تعديل جينات الأبناء

أظن أن الكثير منا مر يوما ما مصادفة بطرفة جمعت الأب بابنه حول تدني الأعداد وتعرض الابن لسيل من السباب والشتائم من أب ثائر متوعد فلذة كبده بالقصاص ليكتشف الأب بعدها أنه ممسك ببطاقة قديمة تحمل اسمه لا اسم ابنه.

قد تبدو هذه النكتة مضحكة للغاية لكنها لم توضع هكذا اعتباطيا بل تحمل بين سطورها وطياتها الكثير من المعاني والدلالات التي يجاهد اليوم أولياء الأمور لتلافيها وترقيعها، فمجرد التخمين أن يرث الأبناء وإن بنسب ضئيلة فشل بعض الآباء والأمهات في مادة الرياضيات خصوصا والمواد العلمية عامة يقض مضجع هذه الأسر، مما يدفعها إلى ممارسة مجموعة من الضغوط على الأطفال حتى تجنبهم ذلك.

هذا الحرص المبالغ فيه أحيانا كثيرة على تعديل جينات الأبناء الوراثية حتى لا تحصد فشلا مماثلا في الرياضيات عبر تكثيف حملات الدعم والضغط التي ترفع فيها العائلات لافتات تحت شعار “عليك بالمزيد من الجهد إذن عليك بالمزيد من الدروس الخصوصية”، يضع الأبناء تحت مقصلة تفصل بين أحلامهم وبين رغبات أولياء أمورهم، أو بين واقع إمكانياتهم الذهنية المتواضعة في استيعاب المواد العلمية وبين طموحات أسرهم الجامحة.

في السابق كان بعض الآباء يغيرون مسار توجهات أبنائهم فيحملونهم على التسرب من مقاعد الدراسة في سن مبكرة ليحولوهم إلى خوض غمار تعلم أصول اللعبة المستديرة في بطاح الأحياء، على أمل أن يصبح الصغير بطلا في المستقبل القريب في كرة القدم.

مع الوقت لم يخمد هذا الحلم لكنه مل مع تغير الميولات والأذواق، وصار يركز أكثر على ما يتناسب مع سوق الشغل العصرية، فأغلب الأسر أصبحت ترى في أبنائها ضمانا لحياة أفضل، بدعوى أنها تبذل العزيز والغالي في سبيل نجاح الأبناء في اكتساح وظائف مرموقة شرط أن تكون بعيدة كل البعد عن أي اختصاص أدبي بوصفه لا ينتج إلا جيلا حالما لا يملك حظوظ بقية الاختصاصات العلمية.

هناك من الأبناء من حالفه الحظ ونجح في تحقيق طموحات أهله، في المقابل هناك من فشل فشلا ذريعا في ذلك بل وأكثر من ذلك لم ينجح في أن يكون ما يريد، لأن أولياء الأمور ذهب في ظنهم، وبعض الظن إثم، أن سبب فشلهم سابقا كان بالأساس قلة حيلة أهلهم وفقرهم المدقع، لذلك حرصوا حرصا شديدا على توفير المناخ المادي المناسب الذي قبر صغارهم بين دور الرياض والمدارس والدروس الخصوصية، وغابت عنهم محاولة احترام رغبات أبنائهم وخصوصا إدراك القدرات الذهنية لهم والتي تختلف من طفل إلى آخر، وأن فكرة تتدجين الصغير حتى قبل ولادته وفق أهواء ذاويه أفكار مغلوطة.

ليس خللا أن يعبد الأهل طريق النجاح أمام الأبناء من خلال محاولة توفير كل الاحتياجات التي افتقدها البعض من أولياء الأمور في السابق، لكن هذا لا يعطيهم الحق في برمجة صغارهم وفق ما يريدون، فذلك لن يساهم إلا في خلق جيل غير قادر على التعويل على نفسه والتعبير عنها.

وبالنهاية “لا يمكن تحقيق النجاح إلا إذا أحببت ما تقوم به”، وفق رأي الكاتب الأميركي ديل كارنيجي، لذا لا بد من صقل مواهب الأبناء بدل تعديلها وتغير مسارها.