د. محمد عاكف يكتب:

نوفمبر إيران.. بين النشوة والمرارة

دخلت العقوبات الأميركية على إيران مرحلتها الثانية في الخامس من نوفمبر الجاري في دلالة وتوقيت ذي مغزى للطرفين الأميركي والإيراني. الخامس من نوفمبر هو اليوم الذي أعقب اقتحام السفارة الأميركية في طهران عام 1979 وأخذ فيه 52 دبلوماسياً أميركياً رهائن لمدة 444 يوماً في واحدة من أبرز التجاوزات على الأعراف الدبلوماسية في التاريخ وسط أجواء انتشاء طاغٍ في الشارع الإيراني.

ميزة هذه العقوبات أنها أميركية فحسب في حين كانت قبل اتفاقية 5+1 خليطاً أممياً وأميركياً وأوروبياً، ما سيتمخض عنها اختبار لمدى قدرات الولايات المتحدة على الذهاب منفردة في فرض عقوبات تتجاوز ما يتعلق بقدراتها على توظيف ما لديها من موارد وأدوات لذلك إلى إلزام الآخرين دولاً ومؤسسات على الانصياع لرغباتها مستغلة حقيقة أن حكومات هذه الدول ليست بالضرورة قادرة على فرض رؤاها على الشركات التي تعتبر قراراتها وسياساتها مستقلة إلى حد كبير.
إذ على الرغم من أن دولاً مثل ألمانيا وفرنسا لم تتفق مع الإدارة الأميركية في إعادة فرض العقوبات على إيران إلا أن الشركات الكبرى في هذين البلدين قد انحازت لمصالحها الأكبر حجماً والأكثر أهمية مع الولايات المتحدة وتراجعت عن الاتفاقيات التي عقدتها مع إيران بعد إقرار اتفاقية 5+1 عام 2015.
ولتلافي الارتفاع في أسعار الوقود أمهلت الولايات المتحدة ثماني دول مدة ستة أشهر لتجد خلالها بدائل لما تستورده من النفط والغاز من إيران، كما منحت العراق استثناءً محدداً بالسماح باستيراد الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي لمدة خمسة وأربعين يوماً بالشروط نفسها.
إيران على المستوى الإعلامي تكابر كثيراً بقدرتها على الصمود وكسر العقوبات أو الالتفاف عليها أما على المستوى غير المعلن فهي تبعث برسائل مختلفة عبر قنوات دبلوماسية لدول أخرى لعبت دوراً كبيراً في التقريب بين الوجهات الإيرانية وإدارة الرئيس أوباما، التي مهدت لتوقيع اتفاقية 5+1 حول البرنامج النووي الإيراني.
موقع إيران الجغرافي يساعدها بقدر ما على الالتفاف جزئياً على العقوبات فنفوذها على المستويين الرسمي والمجتمعي لدى بعض دول الجوار يسمح بذلك، حيث تشهد المنافذ الحدودية الشرعية وغير الشرعية تسرباً مستمراً، من وإلى، للبضائع والأموال وغير ذلك.
العقوبات الأميركية على إيران تهدف إلى إجبارها إلى العودة للتفاوض وفق أجندة جديدة وسيناريوهات مختلفة، أجندة لا تقتصر على مستقبل البرنامج النووي الإيراني وإنما تشمل برنامج الصواريخ البالستية وملفات دعم الإرهاب والعبث بأمن المنطقة والتدخلات في شؤون دولها.
أما الفرقاء فليسوا بالضرورة ممن جلسوا في مواجهتها على طاولة المفاوضات قبل ثلاث سنوات، بل سيكون على طاولة التفاوض أو على إحداها من يمثل دول المنطقة التي تضررت كثيراً من الاتفاقية السابقة لغيابها عنها ولتجاهل مصالحها.
الشروط الاثنى عشر التي وضعتها الخارجية الأميركية لا تضع قيوداً على البرنامج النووي الإيراني وإنما تلغيه بالكامل وتتجاوز ذلك إلى القضاء على النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط.
إيران مصممة على الصمود وعلى تذوق مرارات الحصار الذي يُطبق عليها والحفاظ على اتفاقية 5+1، معولة بذلك إلى حد ما على مواقف بعض الدول الغربية وعلى تآكل العقوبات مع مرور الزمن وعلى عامل آخر استجد مع الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة وهو خسارة الجمهوريين للأغلبية في مجلس النواب.
مدة العقوبات غير محددة وقد تشهد مداً وجزراً في المواقف وتداخلاً لقوى أخرى يهمها إفشال السياسة الأميركية، وعلى رأسها روسيا التي قد ترى في الأزمة الإيرانية فرصة جديدة تعزز بها ومن خلالها نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط خاصة أن فيها مداخل عدة تسمح بذلك.
المعارضة التي تبديها دول أوروبية ودول أخرى مهمة تشكل عامل إغراء لموسكو للغوص بشكل أعمق في الأزمة الإيرانية ودعوة لتخفيف الحذر الذي تتسم بها سياساتها إزاء القضايا التي تكون الولايات المتحدة طرفا مهماً فيها.
ليس من المستبعد في سياق التصعيد المتوقع للأزمة أن نشهد في وقت لاحق ترحيباً إيرانياً بحضور عسكري روسي في أراضيها سواء بشكل مباشر على هيئة قوات عسكرية في بعض قواعدها أو حضور غير مباشر على هيئة أسلحة دفاعية متطورة، وذلك حين يصبح نظام ولاية الفقيه معرضاً للخطر، كما حدث في الحالة السورية.