سمير عطا الله يكتب :

سارتر في «سميراميس»

استوقفته في زحام ميدان طلعت حرب، وقلت بكل أدب «الأستاذ جان بول سارتر، على ما أعتقد». وهز رأسه باسماً: «لم أكن أتوقع أن يعرفني الناس في القاهرة. لقد جئتها منذ 50 عاماً. كم تغيرت عليّ».
سألته إن كان هنا بدعوة رسمية. فضحك أيضاً وهو ينفخ غليونه: «الذين كانوا يوجهون الدعوة إليَّ غابوا جميعاً. لقد جئتها بتذكرة مخفضة مع إقامة وفطور لثلاثة أيام. الجولات السياحية مجانية».

سألته إن كان يمانع في طرح بعض الأسئلة. وهز رأسه موافقاً: «بالطبع. لكن ليس في مثل هذا الضجيج. لماذا لا نذهب إلى مكان هادئ، مثل مقهى ريش؟»، واعتذرت فوراً. قلت له إنهم ينفضونه تماماً، وربما الأفضل الذهاب إلى بهو «السميراميس».

قبل أن نأخذ مقعدينا في المقهى الصغير جانب البهو، سمعنا صوتاً ساحراً يهتف بالفرنسية: «جان بول، هذا أنت؟ عرفتك من رائحة غليونك». وانحنى يسلم عليها: «يا فاتن لا يزال صوتك موسيقياً. موسيقى مثل غناء، مثل قصيدة دون إيقاع».

انضمت فاتن إلى الجلسة قائلة: «سوف أبقى معكما بضع دقائق. صديقاتي قادمات بعد قليل. ولكن قل لي يا جان بول، ماذا يحملك إلينا؟»... أنا قادم من بيروت. وقبلها كنت في عمان. ولقد أمضيت بضعة أيام مع أصدقائي المغاربة. وسوف تسألين لماذا. عزيزتي سيدة فاتن، عندما جئت إلى هنا المرة الأولى اعتبرت زيارتي انتصاراً على إسرائيل. استُقبلت مثل رئيس دولة. لم يبقَ كاتب في اليمين أو في اليسار إلا رحّب بي. الجميع أرادني إلى جانب الوجدان العربي، وكان له يومها اسم واحد هو فلسطين. ويا عزيزتي فاتن، منذ بداية جولتي، لم يصادفني موضوع فلسطين. وقد تعمدت أن أسأل صاحب مكتبة صغيرة في بيروت إن كانت لديه أي كتب لجان بول سارتر، فأجاب على الفور، إننا لا نعرض الكتب الفنية هنا.

ضحكت السيدة فاتن ضحكة محرجة. وقالت: «سوف أتركك في عناية صديقك». فقاطعتها بسرعة: «من أنا لأكون صديق الأستاذ. من حسن حظي أنني تعرفت إليه في ميدان طلعت حرب وأثقلت عليه. وأبلغته أنني صحافي ناشئ، فإذا ما خصّني بمقابلة، سوف يساعدني ذلك كثيراً. لكن هل تدرين ماذا أجابني؟ أخبرني أنه وقع له الموقف نفسه في بيروت. تعرف إليه صحافي شاب وهو خارج من جولة في معرض الكتاب الفرنسي. وألح في الحصول على مقابلة. وعندما أخذ المقابلة إلى صحيفته، قيل له إن الصفحة السينمائية تفضل النجوم العرب». وضحكت فاتن «كويس كده».