هاني مسهور يكتب:

بعد عام من رحيل زعيم اليمن الواحد

رغم مرور عام على رحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح فإن المشهد اليمني لم يستطع أن يغادر حقيقة التأثير الذي شكلته سنوات الحكم الثلاث والثلاثين وما صنعه علي عبدالله صالح في فترة حكمه من توازنات سياسية قائمة على التناقضات التي هي جزء لا يتجزأ من المجتمع اليمني، فلم تجرؤ أي قوة سياسية أو قبلية أو حتى مناطقية بعد رحيل صالح على أن تقدم نفسها بديلاً قادراً على لعب دور سياسي يعيد لليمن شيئاً من سنوات الحكم التي يمكن تسميتها بفترة الحكم الصالحية. فترة حكم وأن رحل صاحبها إلا أنها تركت إرثا هائلا من التناقضات والتعقيدات لا يعرف تفكيكها سوى علي عبدالله صالح فهو الذي صنعها وهو الذي رحل وتركها.

يوم الجمعة 2 يونيو 2011 وقعت حادثة تفجير جامع النهدين والتي نجا منها علي عبدالله صالح بأعجوبة، ولكنها كانت فعلياً الحادثة التي أودت به وإن لم يمت، خرج صالح من تلك الحادثة مشوهاً جسدياً لكنه أيضاً خرج منها عنيداً ناقماً راغباً في الانتقام من خصومه الذين غدروا به بعد أن وافق على تسليم السلطة السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية، لم يكن صالح ليغفر لخصومه محاولتهم تصفيته جسدياً غدرا، ولذلك رفض مصافحة علي محسن الأحمر بعد صلاة العيد، ولذلك أيضاً أشاد بالرئيس الجنوبي علي سالم البيض رغم خصومتهما السياسية إلا أن الأخير لم يغدر وواجه علي عبدالله صالح سياسياً بينما الذين أغدق عليهم بالأموال من أقاربه هم الذين طعنوه في ظهره.

تحالف صالح مع الحوثيين وهو الذي أيضاً صنعهم من العدم بعد أن شعر بتنامي قوة حزب الإصلاح بعد حرب صيف عام 1994. كان صالح يدرك أن لا أحد يمكن أن يواجه الإخوان غير الحوثيين، معادلة صحيحة من ناحية العقائد الطائفية لكن الثمن كان باهظاً للغاية وأودى باليمن كدولة إلى السقوط والحرب المفتوحة. ومع ذلك فإن فكرة التوازن كانت رهان علي عبدالله صالح حتى وهو يدخل مع السعودية في مواجهة غير متكافئة وباستعادته خطابات محتقنة تجاه الحكام السعوديين التي استخدمها بعد غزو العراق للكويت عام 1990، ثم عاد واعتذر عنها لكنها في الواقع ذاته كانت يقينا، فهو وإن كان ابن القبيلة الزيدية فهو أيضاً بعثي الهوى، كلما ضاقت به الدوائر عاد لمعاداة السعوديين كطبيعة القوميين العرب وطيشهم المعتاد.

كان التوازن الذي اعتقد صالح أنه قادر على أن يحققه في خضم الحرب ومحاولته فك الارتباط عن الحوثيين يكمن في قاعدته السياسية الواسعة التي يشكلها حزب المؤتمر الشعبي والذي أفزع به العالم عندما حشد الملايين من المؤيدين له في ميدان السبعين، فلم تكن تلك الحشود المليونية سوى التوازن الذي كان يعتقده علي صالح، ومن خلاله استطاع اجتذاب التحالف العربي نحوه فلقد شكلت تلك الصورة المهولة من المحتشدين فرصة لانتفاضة شعبية تسقط الحوثيين ويعود اليمن لضبط المصنع من جديد وسيقبل الجميع عودة علي عبدالله صالح رئيساً.

كالملح الذي يذوب في الماء ذابت الحشود المليونية وتركت علي عبدالله صالح يواجه مصيره وحيداً، فلا قبائل طوق صنعاء وقفت معه، ولا حتى قبيلته سنحان تضامنت معه، بل حتى أقرب المقربين منه تركوه ليواجه الأفعى الحوثية التي التفت حول رقبته، تلفت علي صالح ولم يجد معه سوى عارف الزوكا، وهو جنوبي وليس شمالي وليس من طوق صنعاء وليس من سنحان، وليس من آل الأحمر، حتى عند لحظة مغادرته للحياة فالجنوبيون لا يغدرون وهو قالها بلسانه وأنهى حياته مع واحد من رجال الجنوب.

بعد رحيل علي عبدالله صالح لم يستطع المؤتمر الشعبي العام لململة صفوفه. لا يريد المؤتمرون الاقتناع بأنهم انتهوا سياسياً وأن عليهم بناء حزب وطني جديد بقواعد جديدة، بل يريدون أن يواصلوا الاسترزاق باسم المؤتمر وباسم الراحل علي صالح، الخيبة في أن رجالات صالح لم يكونوا بحجم اليمن أو الحزب أو حتى صالح نفسه.

بعد عام على رحيل زعيم اليمن الموحد ثمة حقائق لا يمكن تجاوزها فاليمن لم يعد واحداً، والجنوب يمضي نحو خياراته مهما بلغت التعقيدات، والشمال بحاجة لاستعادة هويته السياسية الجمهورية، والأحزاب السياسية في شمال اليمن لا تمت للسياسة بصلة فقد كشفت الأيام بأنها لا تمتلك رؤية وطنية وحتى انتماء لليمن. واقع اليمن ما بعد علي عبدالله صالح أكثر غموضا من كل ما مر على اليمن في تاريخه. بلد متشظ ومتعصب عقائديا وقبليا ومناطقيا من الصعوبة التنبؤ بمستقبله في ظل انعدام حركة وطنية جامعة لليمنيين. بعد عام من رحيل علي عبدالله صالح لم يعد هناك حاجة للمتباكين على رحيله، فلقد خذلوه أثناء محاولة اغتياله في جامع النهدين وتخلوا عنه عندما تركوه يقاتل الحوثي مع جنوبي اختار أن يضع نقطة على آخر سطر من حياة علي صالح وهي أن الجنوبيين لا يخونون.

العرب