د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الاستقلال الضائع واستلاب الهوية الجنوبية !! (1-2)

تحتفل الشعوب كل عام بأعيادها الوطنية واستقلالها بإحياء ذكرى كفاحها وتكريم شهدائها الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل حريتها وإخراج المستعمرين من أوطانها .
إلا نحن معشر أبناء الجنوب فقد كان استقلالنا منقوصا وفرحتنا لم تكتمل في 30 نوفمبر عام 1967م ، وظلت جرحا نازفا في الذاكرة الجنوبية لا زال شعبنا يعاني جراحاتها وانتكاساتها المستمرة حتى اليوم !!
أولا : يمننة الجنوب العربي :
بعد هزيمة بريطانيا في حرب السويس عام 1956م قررت بريطانيا تصفية مستعمراتها شرق السويس ومن ضمنها "الجنوب العربي " وقد رسمت خطتها للانسحاب منه أوائل عام 1968م .
وفي عام 1958م كان المد القومي العربي بزعامة عبد الناصر قد بلغ أوجه وذروته وأعلن الوحدة مع سوريا .
وفي العام 1959م تم تأسيس اتحاد الجنوب العربي ، وكان يمثل خطوة إستباقية متقدمة للأحداث المتسارعة في الوطن العربي نحو بناء دولة عصرية وحديثة في المنطقة ،على أسس صحيحة ،وكان لها برلمان ، ومجلس أعلى (مجلس وزراء )، وكان لكل ولاية في الجنوب حكمها الذاتي .
وقد مثل قيام الاتحاد خطوة واقعية لتأصيل هوية الجنوب العربي ،وكان يشهد تطورا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا !!
وفي العام 1961م فشلت الوحدة السورية – المصرية وأعلن الجيش السوري الانفصال بزعامة مأمون الكزبري .
وأصيب عبد الناصر بضربة موجعة ، سعى بكل قواه لتعويضها بنصر آخر تمثل في دعم انقلاب 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن على الإمام محمد البدر وبلغ إجمالي القوات المصرية في اليمن 70 ألفا ،في ظل حرب أهلية ضروس استمرت 7 سنوات بين الجمهوريين والملكيين !!
وفي ظل الشطحات القومية في العهد الناصري تقرر هدم الجنوب من الداخل بتأسيس فصيل دموي تحت مسمى " الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل "عام 1963م على أيدي المخابرات المصرية واليمنية في تعز ، وبرعاية نايف حواتمه وجورج حبش وإقصاء كافة الأحزاب السياسية الأخرى ،ورفع شعار " الكفاح المسلح"!!
وكانت الدماء المسفوكة جنوبية.
وفي 30 نوفمبر عام 1967م تسابقت بريطانيا من جهة والقوات المصرية واليمنية من جهة أخرى بدق إسفين الخلافات بين الأحزاب والفصائل الجنوبية بما يحقق مصالحهما ،وتبنت بريطانيا "الجبهة القومية" وسلمتها الجنوب في 30 نوفمبر عام 1967م مع إقصاء كافة المكونات السياسية الأخرى بما في ذلك حكام اتحاد الجنوب العربي !!
وقامت "الجبهة القومية " بإهداء استقلال الجنوب لغير أهله وألبسته " طاقية اليمن " مجانا ، وكان العنصر اليمني مسيطرا وقد استخدم كل وسائل المكر والخداع والتضليل التاريخي لتزييف الوعي والذاكرة الجنوبية ، التي تلقفت تلك الأباطيل وتبنتها بغباء وسذاجة !!
وقد حرص العنصر " اليمني "على السيطرة على مراكز القرار بدء من الجبهة القومية ،وانتهاء ب "الحزب الاشتراكي اليمني ".
وعمل هذا العنصر على الهيمنة على المؤسسات الجماهيرية والمنظمات الحزبية ،وتضليل مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال حتى عام 1990م كما عمل هذا التيار على دفع الجنوبيين إلى تبني الأفكار اليسارية والتطرف الأيدلوجي في كل مشاكل الجنوب السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
كما حرص ( العنصر اليمني ) على زرع التفرقة والشكوك بين الجنوبيين على أسس أيدلوجية حينا ومناطقية حينا آخر من خلال تأجيج الصراعات السياسية من 30 نوفمبر عام 1967 م حتى عام 1990م بنسبة 100% .

ثانيا : هيمنة اليسار على السلطة :
تفاعل العنصر اليمني مع انقلاب سالم ربيع عام 1969م ضد قحطان الشعبي وقام النظام الجديد على إثره بتصفية فيصل الشعبي وكذلك القيادات الجنوبية في مؤسستي الجيش والأمن التي كانت جنوبية خالصة بنسبة 100% !!
وتصوير ما حصل انه صراع بين اليمين واليسار داخل الجبهة القومية .
وبدء من 22 يونيو عام 1969م جرى التشريع لاستخدام العنف والتصفيات الجسدية المروعة بالآلاف ضد العناصر والمكونات الجنوبية الحية والفاعلة من قبل ( العنصر اليمني) الذي هيمن على جهاز امن الدولة و دفع إلى سحل العلماء ..كما قامت تلك الأجهزة بدفع النظام لفرض قوانين تأميم المساكن والإصلاح الزراعي وحرية المرأة وتخفيض الرواتب مع ما رافقها من مسيرات ومظاهرات عارمة في شهر أغسطس عام 1972م م مما أدى إلى حوادث مأساوية تمثلت في ضرب وإهانات واعتقالات للملاك من المواطنين !!
كما شن النظام في عدن سلسلة من حروب العصابات وأعمال التخريب في سلطنة عمان بواسطة الجبهة الشعبية لتحرير عمان ..كذلك شن على السعودية حرب الوديعة عام 1969م ..وعلى اليمن ما عرف بالحروب الشطرية أعوام 1972 – 1979م بالإضافة إلى عمليات التخريب المستمرة ..


وكانت هافانا وموسكو أقرب إليهم من مكة والكويت !!

ثالثا : انقلاب 26 يونيو عام 1978م :
استهدف الانقلاب على "ربيع " تصفية القيادات الجنوبية وقد تحقق ذلك من خلال زرع الشكوك واللعب على وتر ( القبلية ) و (العشائرية ) وغرس المناطقية بين أبناء الجنوب من خلال تفسير الايدولوجيا واعتبار ما حدث صراع بين ( تيار يساري انتهازي مغامر ) وبين ( تيار يساري حقيقي ) مقابله !!
وفي خضم الصراع أدرك (سالمين ) أن العنصر اليمني المتطرف قد دفع به إلى حافة الهاوية من خلال ما جرى من انتفاضات وتأميمات واغتيالات بصفته رئيس الدولة وقد حمل وزر كل الأحداث المأساوية التي حدثت في السبعينيات في الجنوب لوحده !!
كما اتهم "سالمين " بالنقل الحرفي لتجارب البلدان الاشتراكية الفاشلة كما اتهم بقتل الرئيس الغشمي وذلك انتقاما لصديقه إبراهيم الحمدي وقد أدى ذلك الانقلاب على سالمين في26 يونيو عام 1978م إلى تصفية العدد الأكبر من القيادات والكوادر الجنوبية غدرا وإقالة المئات من وظائفهم .
وللحديث بقية في الحلقة الثانية .
د.علوي عمر بن فريد