د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

تمخض الجبل فولد فأرا!!!َ

يحكي أنه في قديم الزمان ، كان جماعة من البدو الرحل ، مسافرين وتوقفوا في أحد الوديان ، لشعورهم بالتعب من السفر ، فقرروا نصب خيمتهم في الوادي بالقرب من جبل ، وبينما هم جالسون يتناولون القهوة .
شاهدوا بعض التراب والحجارة الصغيرة ، تتساقط من أعلى الجبل ، وتملكهم خوف شديد ظنا منهم أن خطرًا قادمًا ، أو زلزالً أو بركانً ، ونهض الجميع مسرعين من المكان وقاموا بمراقبة الجبل جيدًا .
وبعد قليل خرج من أحد الجحور في الجبل فأر ، وفر أمامهم مسرعًا في الجانب الآخر من الوادي ، فضحك الجميع ، وعندئذ قال شيخ ممن كانوا معهم : ( تمخض الجبل فولد فأرا). وأصبحت تلك الجملة التي قالها الشيخ الكبير مثل شهير جدًا تناقلته الأجيال فيما بعد عبر الأزمنة!!
وهذا ما جرى في السويد ..فالشرعية تتجاذبها أطراف سياسية غير متوافقة مع بعضها البعض وليست لهم رؤية موحدة فالإصلاح يريد فرض اجندته وهيمنته ويتحكم في مفاصل الشرعية ..ولكنه اضطر لمسايرتها مكرها لأنه جزء منها !!
وبالنسبة للمؤتمر تواجدت بعض قياداته الثانوية في وفد الشرعية وهي متشرذمة ومنقسمة على نفسها إلى عدة تيارات متعارضة بعد خلافاتها على تركة ( الزعيم ) .
أما باقي أعضاء وفد الشرعية فهم من بعض التيارات الأخرى كالناصريين وبعض الجنوبيين التائهين في وفد الشرعية وليس لهم وزن سياسي في المحادثات وهم من المغلوبين على أمرهم وتستخدمهم الشرعية كشهود زور على الاتفاق الذي جاء مطابقا للمثل الشهير :
(تمخض الجبل فولد فأرا )!!
ولعل الغائب الأبرز عن المحادثات في السويد هم الجنوبيون فلا احد يمثلهم ولم يدعو أساسا سواء من الحراك الجنوبي أو المجلس الانتقالي خلافا لقرار مجلس الأمن رقم (2140) عام 2014م الذي أشار صراحة بالاسم للحراك الجنوبي والحوثيين .
ولعل الرابح الأكبر من هذه الإخفاقات في السويد هي التنظيمات الإرهابية في اليمن مثل : داعش والقاعدة .
كذلك أمراء الحرب في كافة جبهات القتال فهم المستفيدون من إطالة أمد الصراع والحرب في اليمن .
أما الحوثيون فقد كسبوا هذه الجولة من المحادثات وتفوقوا على الشرعية التي طالما تمسكت بالمرجعيات الثلاث من بداية الحرب وتمثل ذلك التفوق في : انسحاب قوات الشرعية والحوثي معا من الحديدة وستعوضها قوات تسميها الأمم المتحدة " قوات محلية " وهذه القوات بلا شك من داخل الحديدة وهي تعلم أنها ستظل تحت مطرقة الحوثيين ولن تجرؤ على مخالفتهم .
وجاء في الاتفاق إن الأمم المتحدة ستقوم بدور قيادي في مراقبة ميناء الحديدة وستساعد في المساعدات الإنسانية ..أما باقي الملفات لازالت معلقة لم يبت فيها .
وتمثلت تلك الإخفاقات في أن الحوثي أصبح لاعبا رئيسيا في العملية السياسية رغم اندحار قواته في صعده والحديدة كما ضعف أدائه في باقي الجبهات !!
ولكن القوى الدولية الكبرى التي تمسك بخيوط لعبة الحرب في اليمن هي التي تشدها وتطلقها متى شاءت .
وغالبا ما تلقي بطوق النجاة للحوثيين كلما ازداد عليهم الضغط الحربي في حين تكثف ضغوطها على الجانب الآخر من الشرعية وتتحكم في سير المعارك ولم يعد خافيا على احد حتى دول التحالف نفسها لم تسلم من تلك الضغوط وكلما اقتربت مع الجيش الوطني من حسم المعارك يسحب البساط من تحت أرجلهم وتأتي القوى الخفية لتوقف انجازات الحسم !!ّ
وقد ظهر هذا جليا في الحديدة وكذلك في ملف القضية الجنوبية والحجة هي " المرجعيات الثلاث " ومن المؤكد أن جولات عديدة وشاقة ومضنية ستعقد خلال العام القادم بين "الشرعية" و " الحوثي " ولكنها ستكون كالأعمى الذي يبحث عن حجر صغير في قاع النهر !!
وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن الحوثيين قد كسبوا جولة هذه المحادثات في السويد ومن أهمها : استعادة الأسرى من أتباعهم ومعظمهم من القناديل وبعض المقاتلين من أبناء القبائل وسيعيدونهم فور إطلاق سراحهم لرفد جبهات القتال مباشرة ..في حين أن معظم الأسرى الذين طالبت بهم الشرعية هم المدنيين من صحفيين ورجال أعمال وموظفين !!
كما كسب الحوثي نقل 50 جريحا حوثيا تم نقلهم إلى عمان بينهم ضباط وخبراء إيرانيون ولبنانيون من حزب الله وأخيرا وليس آخرا كما قال الكاتب مروان الغفوري : " إذا رأيت الحوثيين فان أمامك خيارين إما أن تدحرهم أو تفر منهم ولكن لا تحاول الحديث إليهم فلن تفهم شيئا " !!!
د. علوي عمر بن فريد