د.محمد علي السقاف يكتب:

حتى لا تغطي الشجرة على الغابة في الأزمة اليمنية

لا أتذكر مصدر هذا المثل، وإن كنت أرجح أن يكون مثلاً فرنسياً، والذي يعني أن الشجرة مهما بلغت ضخامتها يجب ألا تحجب الرؤية عن منظر الغابة، وهو الأهم الذي يجب التركيز عليه في التوصل عبر المفاوضات إلى حل شامل للأزمة اليمنية.
وبالفعل عند تعيين السيد مارتن غريفيث مبعوثاً خاصاً لليمن في فبراير (شباط) 2018، أشار في إحاطته الأولى لمجلس الأمن الدولي في أبريل (نيسان) 2018 إلى أن خطته تقوم على تقديم إطار عمل لإجراء المفاوضات خلال الشهرين القادمين، ولكنه كما يبدو غير من موقفه بالحديث عن إجراء مشاورات بدلاً من البدء بالمفاوضات بين أطراف النزاع. 
وانطلق في اتباع سياسة الخطوة خطوة، التي عمل بها هنري كيسنجر في حل الصراع العربي - الإسرائيلي، وتوصل إلى عقد مؤتمر استوكهولم باتفاق الطرفين، الحكومي الممثل للشرعية اليمنية وجماعة «أنصار الله» الحوثيين.
وتضمنت بنود الاتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة وآلية تنفيذه واتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين والمفقودين وإعلان تفاهمات حول تعز واتفاقاً حول مدينة الحديدة والصليف ورأس عيسى.
وصدر قرار مجلس الأمن الدولي برقم 2451 بتاريخ 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالمصادقة على اتفاق استوكهولم، وأقر القرار وللمرة الأولى في الأزمة الحالية إنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة وزيادة عدد المراقبين الدوليين من 15 مراقباً إلى 75 عنصراً لفترة أولية مدتها ستة أشهر، للإشراف على الهدنة في الحديدة ومينائها وإعادة انتشار القوات المتحاربة، واختير الجنرال الهولندي باتريك كاميرت ليبدأ مهمة لجنة تنسيق إعادة الانتشار.
وسيلاحظ هنا أن الحوثيين كالمعتاد لم يلتزموا بالهدنة بشكل دقيق، وفق ما جاء في الرسالة الثلاثية إلى مجلس الأمن الدولي الموقعة من قبل ممثلي اليمن والسعودية والإمارات العربية المتحدة في الأمم المتحدة بأن المتمردين الحوثيين شنوا هجمات، بما في ذلك إطلاق رصاص القناصة وصواريخ متوسطة المدى في الحديدة، بينما في إحاطة غريفيث أمام مجلس الأمن في مطلع يناير (كانون الثاني) 2019 قال بعبارات دبلوماسية إن كلا الجانبين التزم إلى حد كبير بوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة وكان هناك (ولاحظوا عبارته التي استخدمها) انخفاض ذو مغزى في الأعمال العدائية! منذ دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ حيث إن حوادث العنف تعد محدودة مقارنة بما رأيناه في الأسابيع التي سبقت مشاورات استوكهولم، يعني بمعنى آخر أنه لم ينف ويتحدث بصراحة عن حدوث انتهاك للهدنة نفسها وإنما قارنها بما كان الوضع عليه قبل اتفاق السويد.
وفيما يخص ملف الأسرى لدى طرفي النزاع أكد غريفيث منذ إحاطته الأولى لمجلس الأمن في أبريل 2018 أنه حريص على إطلاق سراح ما سماهم بالسجناء، وأن الجانبين قالا له إنهما يرغبان في رؤية السجناء يطلق سراحهم، وقد شجعه موقفهما، وسيعمل كل ما بوسعه لتحقيق ذلك، وفعلاً أبرم اتفاق بين الطرفين قبيل مشاورات السويد، واجتمعت اللجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين في العاصمة الأردنية مؤخراً، وتوافقت على خطوات مزمنة للاستمرار في تحقيق تقدم وفقاً لنصوص الاتفاق.
أما فيما يتعلق بالتفاهمات حول تعز وفق اتفاق استوكهولم فقد أشار وزير الخارجية اليمني خالد اليماني إلى صحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن مكتب المبعوث الأممي يعتزم عقد لقاء مع ممثلي الحكومة والانقلاب، كل على حدة، خلال الأيام القادمة لأجل تنسيق إجراء اجتماع مشترك أول للجنة.
بموازاة جهود الأمم المتحدة وأنشطة المبعوث الأممي لليمن نظمت وزارة الخارجية الألمانية في برلين اجتماعاً يوم الأربعاء الماضي حول اليمن غاب عنه طرفا النزاع اليمني، بهدف «دعم جهود الأمم المتحدة، ولكي يتخذ خطوات إضافية تؤدي إلى عمليات السلام»، وقد جاءت هذه المبادرة الألمانية على أثر دخولها ضمن خمس دول جديدة كأعضاء غير دائمين في مجلس الأمن الدولي مع بداية 2019.
وشارك في اجتماع برلين السيد غريفيث ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي وممثلون عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن الجانب العربي ممثلون عن مركز الملك سلمان للإغاثة إضافة إلى ممثلين من الكويت والإمارات وسلطنة عمان.
وأصدرت الخارجية اليمنية بياناً رسمياً عبرت فيه عن تحفظها على نتائج اجتماع برلين لانعقاده في مقر وزارة الخارجية الألمانية، ووجهت الدعوة منها للمشاركين في الاجتماع، ولم يتم التنسيق أو التشاور المسبق مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وحقيقة اندهشت شخصياً لصدور مثل هكذا بيان من الخارجية اليمنية، لسببين رئيسيين؛ أولهما ذو طابع قانوني، من ناحية أن ألمانيا لو دعت الحكومة الشرعية اليمنية سيكون لزاماً عليها أن تدعو أيضاً الحوثيين للمشاركة في لقاء برلين، وسيعني ذلك اعترافاً غير مباشر من قبلها بالحركة الحوثية، ويفسر الشيء نفسه بأن الاتحاد الأوروبي يعترف بهم أيضا وبقية الأطراف المشاركة، ومن أجل تفادي ذلك ربما فضلت ألمانيا تفادي هذا الإحراج لها ولبقية المشاركين، وامتنعت عن توجيه الدعوة لطرفي النزاع.
والسبب الآخر أن الحكومة الشرعية لم تدع مرتين في السابق إلى اجتماعي لندن الرباعيين (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة) اللذين عقدا قبل سنوات قليلة للتباحث حول الأزمة اليمنية، فلماذا لم تعبر الشرعية حينها عن عدم دعوتها للمشاركة في اجتماعات الرباعية؟ حقيقة، بيان التحفظ الرسمي للخارجية اليمنية صدر في الوقت الذي تعلم الشرعية فيه أنها ستكون في حاجة إلى كسب تأييد ألمانيا لها بعضويتها ضمن الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن.
من جانب آخر، لا شك أن الشرعية اليمنية ستكون قد كسبت سياسياً في معركتها ضد الحوثيين أمام الرأي العام العالمي بإدانة برنامج الأغذية العالمي الحوثيين باتهامهم بتحويل مسار المساعدات الغذائية التي يحتاجها السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
كما أن الخبر السار الآخر للشرعية ما جاء في تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الذي أكد أن عائدات وقود مشحون من موانئ في إيران تساهم في تمويل حرب الحوثيين في اليمن.
وجود العنصر الإيراني، بما يحمله من طموحات في السيطرة على منطقة الخليج والجزيرة العربية عبر دعمه الحركة الحوثية، يمثل الفارق الرئيسي والحاسم بين الأزمة اليمنية الراهنة مقارنة بأزمة سبتمبر (أيلول) 1962 في الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين، التي حققت فيها الأمم المتحدة نجاحاً، حيث استطاعت التوصل إلى تفاهمات سعودية مصرية اللتين كقطرين عربيين رأتا ترك اليمنيين يحلون مشاكلهم الداخلية فيما بينهم، وهذا ما حدث.
ويختلف الأمر في الصراع الحالي، حيث يؤيد التحالف العربي الشرعية اليمنية في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد الأمن القومي العربي عبر نافذة دعمه وتسليحه للحركة الحوثية.
فإذا كانت الأمم المتحدة منذ نهاية 2011 لم تستطع التوصل إلى وضع إطار شامل للتفاوض لحل الأزمة اليمنية ولم تحقق في الأمور الفرعية إلا بعض الإنجازات البسيطة عقب مؤتمر استوكهولم، فكم من الوقت والجهد سيستغرق التوصل إلى صيغة مفاوضات لحل شامل للمعضلة اليمنية ولأبعادها الإقليمية والدولية؟
والسؤال في الأخير هل الكرة في ملعب الأمم المتحدة وحدها أم أيضاً مسؤولية استمرار الأزمة اليمنية مرتبطة بأطراف الصراع اليمني نفسه؟
هل النخب لدى الأطراف اليمنية المتصارعة إذا حلت الأزمة ستكون جزءاً من تركيبة السلطة القادمة أم أن دورها سينتهي بحل الأزمة؟ وإذا كان الأمر كذلك هل الحل السريع للأزمة سيكون في مصلحتها أم أن مصلحتها تكمن في إطالة أمد الأزمة؟