ماجد السامرائي يكتب:
كلا لإيران ولا لأميركا
لا يلام البعض من الكتاب العراقيين الغيورين على وطنهم والمتابعين للشأن العراقي الذين يعتبرون أن إيران استباحت العراق وأهله واستعانت بموالين لها أصبحوا يسمون بوكلاء إيران. هؤلاء متواجدون في أبراج الحكم وباحات البرلمان وعلى السواتر التي كان مطلوبا أن تبقى منصوبة حتى بعد انتهاء المعركة ضد داعش.
لهذا تنبغي مواجهة المخططات الإيرانية لصالح الوطنية العراقية المستقلة عبر الوسائل الإعلامية المتاحة واستثمار حالات الرفض العراقية الحقيقية الشعبية المتصاعدة. كما أن تنبيه الرأي العام العراقي يساهم في مشروع الإجهاض على مشاريع استباحة العراق سواء أكانت إيرانية أم أميركية.
لكن، ولأن مشروع المواجهة هذا غير منظم وغير منسق وليس خلفه تنظيم أو جهة داعمة أو ممولة، عراقية أو عربية، فهو ليس قويا كما يتمناه أبناء العراق المبتلون بهذا السجن الكبير المظلم. وفي بعض الأحيان تكون مردوداته سلبية وتنساق إلى الأحكام العمومية. مثال ذلك إطلاق حكم أن الفصائل المسلحة داخل الحشد الشعبي أو خارجه جميعها موالية لإيران. ولا بد من كشف أهدافها والتنبيه لخططها خصوصا بعد أن أصبح هذا الأمر مهما في ظل تطورات التحرك الأميركي العسكري الأخير داخل العراق لتتم لعبة خلط الأوراق.
جرت جهود كثيرة لمنع تقدم وتصعيد معركة “العراقية” لأنها تمس بصورة مباشرة التغوّل الإيراني في العراق. وكان من المهم أن تحصل المعركة من داخل الساحة الشيعية في ميادين بعيدة وغير ظاهرة أو هي ليست في قاعة البرلمان أو أروقة الحكومة.
تحصل تلك الفعاليات بصورة عرضية على وقع التطورات الأخيرة في النشاطات الميدانية للقوات الأميركية في العراق والتي أثارت بقصد أو دون قصد قصة “الوجود الأميركي في العراق” وأبجديات شرعيته.
كان الإيرانيون حريصون على قيام منظومة الحكم العراقية بصورة أكثر انحيازا لطهران لكي تسهل مواجهة مخاطر احتمالات عرض ملف الوجود الإيراني في العراق كإستراتيجية دولية وعربية.
وتحقق لها ذلك في نتائج اختيار رئيس الحكومة والبرلمان والرئاسة. لكن ذلك الجناح الحكومي يظل ضعيفا في فعالياته أمام فعالية الطرف الشعبي المتمثل بملف الحشد الذي استهدفه الأميركيون في معركتهم الحالية مع إيران لتطويعها حسب منطق إدارة ترامب. وقد يتبادر إلى الأذهان بأن جميع الفصائل المسلحة التي انتظمت داخل الحشد أو خارجه هي موالية لإيران وخاضعة لسياساتها الحالية وهذه الفصائل سلاح بيدها في وجه الوجود الأميركي في العراق. وهي لعبة إيرانية للتمويه وصرف الأنظار.
لكن الحقيقة هي أن هناك أصواتا عراقية وطنية تنطلق من بين زحمة عناوين الحشد الشعبي تدعو إلى رفض الوجودين الأميركي والإيراني دفعة واحدة. وهذا ما ظهر في مقابلة تلفزيونية بثتها إحدى الفضائيات العراقية قبل أيام تحدث خلالها أوس الخفاجي، أمين عام لواء أبوالفضل العباس، وكان له دور في الحرب السورية والدفاع عن نظام بشار الأسد عام 2012.
أطلق الخفاجي نداء مفاده بأن “العراقيين يرفضون الوجودين العراقي والإيراني دفعة واحدة”، مخطّئا نظرية أن من يكون ضد الوجود الأميركي في العراق يعني أنه قابل بالوجود الإيراني. وأورد هذا المسؤول مثالا على ما تمارسه بعض فصائل الحشد من وصاية على أبناء الموصل بعد أن ساعدهم شباب من الجنوب العراقي في تحريرهم من داعش حتى تحول الأمر إلى “منّة ” قدّمت لهم إلى درجة الانتقاص من كرامتهم مع أنه واجب وطني.
تكرر ذات المثال، حسب قول أوس الخفاجي، في دعوات إيران بأنها قد كان لها الفضل في تحرير العراقيين مع أنها باعت لهم السلاح الإيراني بأموال عراقية، فلماذا تظل تلاحق العراقيين هذه “المنّة” الإيرانية؟
هذا صوت عراقي انطلق من داخل أوساط الحشد بأفكار تبدو جديدة ومهمة وتصب في فكرة تعزيز “العراقية الوطنية” والتي ينبغي تشجيعها. وهي دعوات أخذت تتزايد داخل الأوساط الشيعية خصوصا الذين لا يؤمنون بنظرية “ولاية الفقيه الإيراني”.
وهذا دليل على أن قلب الطاولة سيحدث عاجلا أم آجلا من داخل أبناء العرب الشيعة العراقيين، مما يتطلب عدم تعميم الخطأ الفادح الذي تستفيد منه إيران والقائل “إن كل شيعي هو موال لطهران، وإن كل منتم للفصائل المسلحة وكيل لإيران في العراق”. لننتظر فالعراقيون الأصلاء سيغيرون المعادلة الإيرانية في العراق.