هاني مسهور يكتب:

الحوثيون والخمينيون.. تحالف مصالح وتباين عقائدي

بمقدار ما ظهر عبدالملك الحوثي على الشاشات لم يقدم لمرة واحدة ولاءه وطاعته للولي الفقيه في إيران. تبدو هذه المفارقة أهم ما يجب قراءته في سياق العلاقة بين الحركة الحوثية والقيادة الروحية الشيعية، ولم تخضع هذه العلاقة لتمحيص دقيق نتيجة ما رافق الحوثيين منذ ظهورهم من طبول حرب ودوي انفجارات المعارك، ولعله من الأهمية استقراء لب هذه العلاقة ولماذا لا يبايع الحوثي علي خامنئي ويتجنب ذلك، فهل هي عقيدة أم أنها سياسة لها حساباتها؟

يختلف المذهب الزيدي عن الإثني عشرية اختلافا جوهريا، فالزيدية لا تؤمن بوجود الأئمة وبذلك تسقط نظرية الإمام الغائب والمهدي المنتظر ويحصر المذهب الزيدي الإمامة الشرعية في من هو من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بموجب مواصفات محددة يرتكز عليها المذهب الزيدي، وهذا الاختلاف يصنفه بعض علماء الإسلام أنه يخرج الزيدية عن الشيعية ويعتبر أهل الاختصاص أنها مدرسة مستقلة بين الطوائف الإسلامية.

النشأة السياسية للحركة الحوثية وإن بدأت مع انتقال حسين الحوثي إلى إيران بعد الثورة الخمينية إلا أنها تشكلت في إطار التركيبة المجتمعية اليمنية عبر مظلومية أبناء صعدة والتجاوزات التي أحدثتها ثورة 26 سبتمبر 1962 دون معالجات صحيحة. وفي سن الثامنة عشرة أسس محمد عزان حركة الشباب المؤمن لتكون النواة السياسية الحوثية، وتم استلهام أفكار غير مألوفة عند المجتمع اليمني ارتكزت على ترسيخ مفهوم الإمامة وتمسك بأطراف دقيقة للغاية من التماس مع ولاية الفقيه القائمة في إيران. الحوثيون منذ نشوئهم كانوا يدركون أن عليهم استيراد ما يخدمهم لتكوين أفكار دولتهم وهو ما تقدم مع تطور الأحداث السياسية في اليمن.

عدة عوامل أسهمت في تعزيز الحضور السياسي منها التوازنات التي كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يحتاج إليها خاصة بعد خشيته من الإخوان المسلمين إثر نتائج حرب عام 1994، فالإخوان كانوا في أوج قوتهم العسكرية آنذاك،وكان على النظام السياسي أن يدفع بالشباب المؤمن، هذه الحالة أسهمت في تعزيز الوجود الحوثي مع استمرار الحركة في استقطاب مؤيديها بالمظلومية الواقعة على الهاشميين في اليمن ومظلومية آل البيت التي تقدمها إيران، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحوثيين كانوا يرون احتفالهم بيوم الغدير اتصالا بينهم وبين علي بن أبي طالب، وأن هذا الاتصال في النسب اتصال أصيل بينما اتصال الولي الفقيه في إيران فيه اعتلال وإن لم يجاهروا به أبدا.

الإيرانيون وجدوا في الحوثيين ما يمكن أن يخدم مشروعهم التوسعي، بينما وجد الحوثيون في الإيرانيين الأموال والشعارات التي تلقى رواجا في المجتمع اليمني القبلي. فالخطاب المعادي للولايات المتحدة وإسرائيل له صداه الواسع، يضاف إلى ذلك أن إيران وجدت في صعدة ما يمكن أن تستنسخه من النموذج اللبناني عندما زرعت حزب الله في شمال إسرائيل ولذلك تعمل على تثبيت الحوثيين جنوب المملكة العربية السعودية. هذه مجرد تقاطعات شكلت العلاقة بين الحوثيين والإيرانيين أي أنه تحالف قائم على مصالح مشتركة، وليس على ارتباط عقائدي كامل، فالتباين بين الطرفين يشكل العنصر الخفي الذي لا يراد له أن يظهر من كلاهما.

يعتقد الحوثي أنه أعلى منزلة بين كل البشر بما في ذلك الولي الفقيه، فالتعريف له عند جماعته أنه “العَلم” وهو الناطق باسم الله في الأرض ويرفع لدرجة العصمة في محيطه، ويلقن المنخرطين في الدورات العلمية مفاهيم دقيقة حول قدسيته وارتباطه الإلهي. هذه الجزئية يمكن متابعتها من خلال عدم تقديم عبدالملك الحوثي للمبايعة أو إعلانه التبعية للولي الفقيه خلافا لزعيم حزب الله حسن نصرالله الذي يؤكد تبعيته للولي الفقيه شأنه شأن كافة القيادات الشيعية إلا في اليمن حيث ينفرد عبدالملك الحوثي وترسل له المجاميع المؤيدة له التبعية المطلقة.

حرص الإيرانيون ما بعد الثورة الخمينية على “خومنة” المجتمعات الإسلامية، وقد نجحت في العراق وسوريا ولبنان في ذلك، غير أن “الخومنة” في اليمن تأخذ طريقتها وفقا للتقاليد اليمنية أو بشكل أدق وفقا للعقيدة اليمنية بأبعادها الزيدية والقبلية، فإيران تريد من الحوثي أن يهدد جيرانه السعوديين، بينما الحوثي يريد أن يكون حاملا للواء المقدس. هذه الرؤى المتضاربة ستعرف تصادما أكيدا في مستقبل الأيام، فلا يمكن للولي الفقيه أن يقبل بأن يزاحمه الحوثي في المرتبة الروحية، ولا يمكن أن يتخلى الحوثي عن درجته فهو يرى أنه الأقرب للجناب النبوي بحكم عروبته، بينما ملالي إيران من القومية الفارسية.