د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

مناجاة إلى أخي الشيخ محسن محمد بن فريد !!

أخي العزيز: أناجيك وأنت لا تسمعني ...أكتب إليك وأنت قد لا تتمكن حاليا من قراءة رسالتي..بعد أن داهمك المرض وأنت اليوم طريح الفراش على السرير الأبيض.. و تعاني من آثار المرض والعملية الجراحية... وبالكاد تحاول استعادة وعيك ويحيط بك أهلك و أحبابك وألسنتنا جميعا تلهج لك بالدعاء سائلين الله أن يشفيك ويعافيك وأن تعود إلينا بالسلامة لأننا في أمس الحاجة إليك في هذه الظروف العصيبة ،
لقد افتقدنا بسمتك المشرقة التي تشع كضؤ الصباح وكلماتك الرصينة التي تتدفق أملا وتفاؤلا حتى في أحلك الظروف ..افتقدنا كل ذلك بغيابك ..فلا تتركنا ياأخي ونحن نقف على مفترق الطرق ونحن حيارى لا ندري أي درب نسلك ؟!!
انهض يا محسن.. وكن قوي الإرادة كما عودتنا ..ولا تجعلني أبكي على وطني الذي تنهشه السباع الضواري .. كلاكما تسكنان القلب وتستوطنان الروح وفي غيابك يتسلل الوجع إلى مفاصلي وفراقك يسحق عظامي
خرجت يا محسن حرا منذ صغرك وكنت في طليعة الصفوف تحمل الأعلام العربية وتهتف ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ثم تأييدا للوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 1958!!
وانتقلت إلى مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات ثم حاصرت دبابات الانجليز منازل أهلك وأعمامك ودمرتها في الصعيد !!
واعتلوا جبال الكور يناطحون السحاب ..
وخرجت قسرا يا محسن من وطنك تحت حراب الاحتلال وأنت بين الطفولة والشباب وقرر الأهل رحيلك مع بعض الصغار خارج أرض الوطن وانطلقت سيرا على الأقدام عبر الشعاب والجبال والوديان من الجنوب إلى اليمن.. ثم غادرت مع بعض الصغار إلى الكويت ولم يطل بكم المقام في ثانوية الشويخ حيث تم نقلكم للدراسة في مصر في أشهر مدارس القاهرة المدرسة السعيدية الثانوية !!
وفي مطلع الستينات كان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يهتف بصوت واحد لخروج الاستعمار وكان ناصر يتصدر المشهد القومي العربي وكانت القاهرة قلب العروبة النابض آنذاك وتونس والجزائر جناحها في المغرب..وسوريا والعراق واليمن جناحها في المشرق العربي.
وعدما ضاقت عليكم الأحوال السياسية في مصر ورفضكم الاندماج القسري في جبهة التحرير كان الانتقال ضروريا بل و حتميا إلى عرين العروبة والإسلام في الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي والرسالة التي تأسس فيها أول مكتب لرابطة الجنوب العربية وكانت الوطن الثاني للتيار المحافظ والمعتدل لليمن والجنوب ولكل العرب .
وفي الوقت الذي كانت فيه المملكة تواجه أشرس الحملات الهدامة من التيار القومي العربي... لم تهزها العواصف ولا الرياح الذاريات حتى في أوج الحرب الأهلية في اليمن منذ ثورة سبتمبر 1962 ولم يزعزع كيانها تواجد 70 ألف جندي مصري على حدودها الجنوبية وقواعدهم في اليمن !!ّ
لقد تربيت يا محسن وتعلمت في منزل الشيخ المجاهد الكبير الشيخ محمد أبوبكر بن فريد...ونهلت من مدرسة رابطة الجنوب العربي التي تربص بها الأعداء وحوربت في داخل الوطن وخارجه من الإنجليز وبعض أبناء الوطن الذين درسوا وتربوا فيها وتعلموا إلف با السياسة فيها ..ولكنهم جازوها بالعقوق والجحود والنكران.. وباعوا أنفسهم والجنوب بدراهم معدودة وهم شراذم الثورجيين الجدد في مطلع الستينيات الذين كانوا يؤمنون بلغة القتل والاغتيالات والتصفيات الجسدية ويرون الاحتراب الداخلي حلاَ لقضية الجنوب حتى ارتكس وانتكس وأصبح على ما هو عليه حاله اليوم !!
لقد بكينا على الوطن الذي ضاع من أيدينا وفرط فيه المغامرون والسذج والأغبياء وتسببوا في تمزيق كيانه وتدمير بنيانه حتى ضاعت الهوية الوطنية الجنوبية وأصبحنا في الشتات وبعدت المسافات وتقطعت أوصال الوطن وأصبح ضحية الحروب الطاحنة منذ الستينات وحتى اليوم عندما ضاع صوت العقل والحكمة وبقي الصراع على الحكم بين أبناء الجنوب حتى ضاع الوطن!!
واليوم بعد أن بقي مكانك خاليا .. لا زال يحدونا الأمل في شفائك وأن تعود إلينا سالماَ ومعافى ..ولا زلت أتذكر رباطة جأشك كلما ادلهمت الأزمات والخطوب ...
كنا نتحلق حولك وفي هدوء وتماسك تحلل وتفسر لنا ماصعب علينا فهمه من أسرار السياسة وألاعيبها لأنك درست في جامعة القاهرة الاقتصاد والعلوم السياسية... وتخرجت منها ونهلت الخبرة على أيدي الرواد الأوائل في رابطة الجنوب العربي من السادة محمد علي الجفري وشيخان الحبشي اللذان كانا أشهر حكماء السياسة في الجنوب ..ورسما ووثقا مستقبله في الأمم المتحدة ولكن لم يستمع إليهما أحد في حمأة الثورات المجنونة التي عصفت باليمن والجنوب !!
وبعد أن تخرجت يا محسن من القاهرة شددت الرحال إلى السعودية ثم إلى أمريكا ونلت الماجستير وبينما كنت تحضر للدكتوراه حتى أتاك المنادي يأمرك بالعودة فلبيت النداء وقطعت دراستك وتوليت الأمانة العامة للحزب
كانت آمالك عريضة وأفكارك غزيرة وكنت تحلم بخدمة وطنك في السلك الدبلوماسي وكما عرفناك واسع الصدر يتسع قلبك للجدال والمناقشات والمناكفات سريع الفهم قوي الحجة لا تؤمن بالعنف سبيلاَ في إدارة بلادك وتؤمن بالشراكة الوطنية والاعتدال والانتخابات الحرة ولكن لا من يسمع ولا من يجيب !!
واليوم وما أدراك ما اليوم يا محسن ..الوطن تسكنه الأشباح وتختطف فيه الأرواح ويتساقط فيه أبناء وطني دون ثمن ولا عناوين في معارك دون أهداف ولا مبادئ ...حرب عرفنا بدايتها ولا نعرف نهايتها !!
لم يكن هذا حلمنا عندما كنا في شرخ الشباب وقلوبنا مفعمة بالآمال وملتهبة بالحماس والنضال..ورغم أننا نخطو اليوم إلى الكهولة إلا أننا نعاهدك بأن رايتنا لن تسقط و ستظل مرفوعة حتى تعود إلينا والى رفيق دربك السيد المناضل عبد الرحمن بن علي الحفري كما كنت سليما معافى بإذن الله .
د. علوي عمر بن فريد