عبدالواسع الفاتكي يكتب:

إحزاب اليمن.. زنابيل وقناديل الشرعية

في هرم السلطة الشرعية اليمنية، تختلف امتيازات ودرجات ومواقع مؤيديها، مرتبطة بمعايير ليست بدرجة رئيسة، ذات صلة بالإخلاص للشرعية والتضحيات المبذولة في مقاومة الانقلاب. الأمر متعلق بتوفر شروط أخرى، وجودها من عدمها يمنح مؤيد الشرعية موقعه في سلمها، وما يستحقه من رعاية واهتمام.

أن تقاوم الانقلاب، وتقدم صورا رائعة من الثبات على الوطنية، جاهرا بالحق واقفا مع السلطة الشرعية اليمنية وقوفا مطلقا، متحملا تبعات مناصرتك لها، دون أن تحظى بتزكية من كهنة الأحزاب وسدنتها، أو المتنفذين من أصحاب القرار والمقربين منهم، ستبقى زنبيلا شرعيا طال الزمان بك أم قصر.

عدم ارتيادك لمقرات الأحزاب اليمنية، وخضوعك لدورة حزبية يختبر فيها إيمانك بالحزب، وولائك التام له ولقيادته، وعداؤك المطلق لمخالفيه، يفوت عليك فرصة الانتقال لدرجة قنديل شرعي، وستظل نكرة مجهولا، لا يؤبه لك مهما كانت قدرتك وكفاءتك، ولن ينظر لما قدمته أو ستقدمه لصف الشرعية، فهذا أمر في نظر الأحزاب غير ذي جدوى، يهمها في المقام الأول أن تلبس رداءها مقدسا تصرفاتها، مدافعا عن كوادرها المسيطرة على مؤسسات الدولة.

أن تمتلك رأيا حرا، مفصحا عن استقلاليتك السياسية، ناقدا لاختلالات أو فساد في مكاتب الدولة المختلفة، التى استولى عليها مناديب ووكلاء الأحزاب جراء سياسة المحاصصة، فأنت في نظر الأحزاب تنتقص من مكانتها، وتسيء لدورها في دعم الشرعية، وهذا يمثل نقطة سوداء في سيرتك، وسابقة خطيرة تبقيك في خانة زنابيل الشرعية.

أن تتهور وتنفرد بجلسة مقيل مع معارض لهذا الحزب أو مناصر لذاك جريمة كبرى اقترفتها، وعندما تندفع وتتحدث عن قصور في أداء أجهزة السلطة الشرعية، هذا كاف لأن تطلق عليك الأحزاب ذبابها الإلكتروني؛ للنيل منك والتشويه والتشكيك بموقفك، إن لم يكن اتهامك بزعزعة الصف وشق العصا، وتنفيذ أجندة خارجية تنال من الوطن وأحزابه الوطنية! وطالما تجرأت وتجاوزت الخطوط الحمراء؛ فلتبق في رتبة زنبيل، ولو كان معك عقل أينشتاين أو حنكة مهاتير محمد.

أقصر الطرق للوصول لدرجة قنديل شرعي، هي أن تقف مع الانقلابيين فترة من الزمن، ثم يصحو ضميرك فتنضم للشرعية، سيستقبلك مسئولوها فاتحين لك أبوابها، غير مكتفين بكرم الضيافة، وبغض الطرف عن صولاتك وجولاتك مع الانقلابيين، بل ستمنح مباشرة مرتبة قنديل شرعي، وستحوز على عطايا وهبات ومكافآت، ما كنت ستنالها فيما لو انضممت للشرعية وقاومت الانقلاب منذ لحظاته الأولى، دون أن يكون لك ظهير حزبي أو سلطوي أو قبلي.

لو وطأت أقدامك أراضي الشرعية فارا من ملاحقة الانقلابيين لك، وكنت من الذين يؤمنون أن الوطن أقدم وأكبر من الحزب أو الفئة أو الجماعة، ستظل نازحا زنبيلا غير مؤهل لإدراج اسمك في كشوفات منظمات الإغاثة التي سيطرت على نشاطها الأحزاب.

من الغباء أن تكن موظفا ولا تراعي المزاج العام لمديرك المتحزب، الذي لا يفرق بين الانتماء لمؤسسة عامة والانتماء للحزب، والمفروض عليك ليس لكفاءته بل نتيجة تقاسم حزبي، فتشجيعك لنادي برشلونة الرياضي، بينما مديرك يشجع نادي ريال مدريد، يجر عليك عواقب وخيمة، أقلها إقصاؤك وتهميشك وتحويلك لسلة المهملات.

في بلدان العالم التي مرت بأوضاع مشابهة لما تمر به اليمن، كانت الأحزاب هي ملاذ المواطن وأمله في إعادة بناء الدولة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي، محيدة الإدارة العامة والسلطات العسكرية والمدنية من الاحتقان السياسي والمناكفات الحزبية، غير أن الأحزاب اليمنية شاركت بقوة في زيادة حدة الانقسام السياسي، وأساءت إدارة الشأن العام، وعمقت من الفجوات الاجتماعية، وساهمت في خلق جو أصبح فيه الكل ضد الكل والجميع يدين الجميع.