د. عيدروس النقيب يكتب:

رحم الله العميد د. صالح با مجبور

بلغني اليوم فقط نبأ وفاة الصديق والزميل العميد الدكتور صالح أحمد با مجبور، الشخصية الأمنية والاجتماعية والناشط السياسي المعروف، في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وقد ووري جثمانه الثرى في مدينة نصاب بمحافظة شبوة مسقط رأسه ومرتع صباه وشبابه.

كنت منذ شهر وإياه في مدينة الرياض وكان يزورنا بصورة شبه يومية أنا وزميلي الدكتور ناصر الخبجي، وكنا نتبادل الخواطر والأفكار والهموم والهواجس والطرائف، . . . . . كان في صحة جيدة وما يزال يختزن الكثير من الطاقات والخبرات والمعارف التي يمكن أن تخدم الوطن لو وجد من يفكر بالاستفادة منها، وآخر رسالة استلمتها منه على خدمة ووتس آب يقول فيها أنه مسافر إلى عدن ومن ثم إلى شبوة، ولهذاقلت أن نبأ وفاته جاء صادماً.

           *    *     *     *     *

في العام 1973م كنت تلميذاً في إعدادية زنجبار وأحد الناشطين الطلابيين وكانت لدينا مسرحية تتضمن دور رجل شرطة، وقد كلفني مدير المدرسة الأستاذ عبد القادرالكيلة عليه رحمة الله بالذهاب إلى قيادة شرطة المحافظة، لاستعارة ملابس شرطة، وقد قابلني ضابط بملامح ريفية ولهجة شبوانية واضحة، وابتهج لطلبي وأمر بصرف ما طلبت منه، وعرفت لاحقاً أن اسمه الملازم صالح با مجبور.

أخذتنا الأيام كل في اهتماماته ومشاغله وبعد عشر سنوات التقيته مرةً أخرى في مدينة صوفيا العاصمة البلغارية وفي الأكاديمية التي ذهبت للدراسة فيها، وكان قد بدأ في مرحلة إعداد رسالة الدكتوراه.

لم أتمكن من استحضار أين ومتى رأيت هذه الصورة من قبل، لعدم تكرار اللقاء الوحيد بيننا ولتقادم السنوات، لكنني سألته هل كنت أركان شرطة أبين في عام ١٩٧٣م؟ ولما أجاب بنعم ذكرته بأول لقاء بيننا وبالفعل كنت متيقناً أنه قد نسيَ هذه الحادثة الصغيرة، التي كانت بالنسبة لي كبيرةً فتلك كانت أول مرة أقابل فيها ضابط شرطة بمستوى أركان محافظة، وأنا القادم من أرياف أبين التي لم تعرف حتى صور وأشكال جنود الشرطة وقادتها.

كرس با مجبور حياته للقضايا الوطنية والاجتماعية والإنسانية والأمنية على وجه الخصوص، منذ التحاقة بسلك الشرطة بعيد الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وقد كان قبل ذلك أحد المنخرطين مبكراً في العمل التنظيمي والسياسي لتنظيم الجبهة القومية.

تدرج الفقيد في سلك الشرطة وترقى في المراتب والمهمات الوظيفية وأتذكر أنه في العام 1986م عين محافظا لمحافظة شبوة ثم عين عضواً في جهاز الرقابة الشعبية الى جانب احتفاظه برتبته في وزارة الداخلية. ، وفي العام 1990م عين  نائباً لمدير العمليات لقوات الأمن المركزي وعضواً في مجلس النواب اليمني وعضو لجنة التجارة والتموين في المجلس، ثم قائداً عاماً لشرطة النجدة.

 شارك الفقيد بقوة وبساله في مواجهة الحرب الظالمة على الجنوب التي شنها نظام صنعا في عام 1994م ، وبعد انتصار الغزاة في 1994م ونجاحهم في تدمير دولة الجنوب، غادر الفقيد للإقامة القسرية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

بعد العام 2004م عاد الفقيد من النزوح القسري ضمن آلاف العائدين الجنوبيين وعين مستشاراً في وزارة الداخلية لكنه كان "المستشار الذي لا يستشار" كما كان يتندر هو وزملاؤه من القادة الجنوبيين العائدين من النزوح.

تمتع الفقيد بروحٍ تفاؤليةٍ عالية ، لم يشكُ يوما من ضيق الحال رغم المعاناة التي مر بها، كما تمتع بنفسٍ طويلٍ عند القيام بالمهمات الصعبة التي كانت توكل إليه وكذا عند التعامل مع سواه من الأصدقاء والخصوم على وجه الخصوص، فكان يقضي الساعات بجوار من يجالسهم دون أن يكل أو يمل، وعندما كان يسمع ما يغضب منه البعض كان يقابله بابتسامة وسخرية، ولم يفقد أعصابه قط وهو يتخاطب مع المختلفين حتى من أولائك الذين لا يترددون في استعراض ما يختزنون من فجاجة وجرأة وقبح وافتراء.

لك الرحمة يا أبا أحمد ولروحك المجد في عالم الملكوت ولذكراك الخلود في ذاكرة الأجيال.

صادق العزاء والمواساة لأهل الفقيد وذويه وكل رفاقه ومحبيه وإنا لله وإنا إليه راجعون.