عباس الخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):
سِتُ لاءاتٍ وهَمٌ في الوسط
رغم التطور الحاصل في التعددية السياسية والحرية الفكرية التي شهدها العراق بعد التغيير الذي حصل في عام 2003، إلا أن ذلك لم يؤسس لتطور ثقافة مفهوم الدولة، بالشكل الذي يلامس هموم الوطن ويلبي حاجات المواطن .
لقد شاعت ثقافة ترسيخ فكرة السلطة وهيمنت على المزاج السياسي والشعبي، الامر الذي ألقى بضلاله على غياب الإطروحة الواعية التي تدفع باتجاه بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات .
خطاب الحكيم في ساحة الخلاني بمناسبة يوم الشهيد العراقي امام الحشود الوافدة من مختلف المحافظات العراقية، كشف عن مدى الإنحدار الذي يشهده الوضع في العراق .
كثيرة هي الإشكاليات التي التي إستعرضها الخطاب، وبغض النظر عن الغايات التي تقف وراء ذلك، يمكن القول إن الوضع يسير نحو الأسوأ مالم ينتبه الساسة العراقيون لخطورته .
بعيداً عن تفاصيل الخطاب ومضامينه، كانت هنالك إشارة الى (6 لاءات) يبدو أنها غابت عن أذهان الكثير من سياسي البلد .
بعد ان عبر عن بلده بوصفه سيداً لا تابعاً ولا خاضعاً ولا خانعاً، وهي مفردات حاول الحكيم من خلالها دغدة مشاعر منافسيه في الوسط السياسي من جهة، وأرادها صيحة إحتجاج على التدخلات الخارجية من جهة أخرى .
بعدها أوضح موقفه من نية الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء قواعدها العسكرية على الأرض العراقية، كون هذا الأمر قد أخذ مساحة في الإعلام خصوصاً بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى قاعدة عين الأسد، وتضارب الأنباء حول عدد القوات المتواجدة هناك وطبيعة مهامها بوصفها قتالية أم ذات طابع إستشاري، الأمر الذي سبب إمتعاضاً في الأوساط العراقية، وهو ما تطرق له الحكيم ضمناً برفضه لتواجد أي قوة أجنبية على الأراضي العراقية لأي سبب كان دون موافقة الحكومة .
مهما يكن المستوى الدوبلوماسي للغة التي تحدث بها الرجل إلا أن المراقب الحاذق ينجح في قراءته للإشارات الواردة ما بين السطور في خطابه الذي أُختيرت له بغداد كعرف لم يسبق لها ان تكون مكاناً لهكذا تجمعات تخص مناسبة ذكرى شهادة الزعيم العراقي الراحل محمد باقر الحكيم الذي أُغتيل في حادثة إنفجار هزت النجف الأشرف بعد عودته من المهجر .
من بين تلك الإشارات موقفه الرافض للإملاءات الخارجية لما لها من أثر سلبي على الأداء السياسي داخل البلد، كونها تراعي مصلحة الدول ذات الشأن بعيداً عن المصلحة العراقية، الأمر الذي يسبب إحراجاً لبعض القوى السياسية المتصدرة للمشهد .
بعيداص عن حجم التمثيل السياسي ومدى التأثير في الشارع لأغلب القوى الفاعلة في الساحة العراقية، لا يُمْكِنْ إنكار ميلانها للمحاور الإقليمية المتصارعة في الشرق الأوسط، خصوصا بعد التطورات الحاصلة في الملف السوري وإستمرار أزمة اليمن وتصاعد اللهجة الأمريكية _الخليجية حيال إيران ومدى تاثير ذلك في الشأن العراقي الداخلي، وعليه لابد للجميع من إستحضار الهم العراقي بعيداً عن التمحور لهذا الطرف أو ذاك، كون العراق لديه ما يكفيه من المشاكل وهي أولى بالإهتمام والمعالجة .
خطاب الحكيم في بغداد وبغض النظر عن قناعة البعض بإداءه السياسي، يجده البعض الاخر منسجماً مع روح الدستور العراقي الذي ينص على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، فقد أشار إلى رفضه القاطع لإتخاذ الاراضي العراقية منطلقاً للاعتداء على أي دولةٍ جارة، وهي رسالة واضحة للراي العام العالمي على أن العراق ينأى بنفسه عن الصراعات الدولية كونها لاتصب في مصلحته بعد أن دفع ثمنها باهضاً جراء الحروب العبثية والأزمات على مدى قرنٍ من الزمن، فهو احوج ما يكون إلى ترميم البناء الداخلي والإهتمام بشأن المواطن الذي كان ولازال ضحيةً للإنفعالات السياسية والتخبط السياسي .