د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الفراسة عند العرب ومحاولة للفهم !!
عرف عن العرب تميّزهم في سرد وتناقل وابتكار الطرائف التي صبغت الحالة السياسية والأدبية والاجتماعية لدينا بلون يخفف عنا انكساراتنا واحباطاتنا الكثيرة .
لكن الجديد في الطرائف العربية هو ما يتعلق بالسياسة ، فرجال السياسة يصنعون ويبدعون مواقف طريفة دون أن يقصدوا ذلك ، لكنها مواقف ينطبق عليها القول : شر البلية ما يضحك!!
وقد كانت الفراسة والذكاء مصدر ملهم للكتاب والأدباء، فقصص الفراسة عند العرب كثيرة جدا تزخر بها مكتبة التراث العربي، كما كتب العديد من العلماء والمؤلفين حول الفراسة عند العرب ومنهم ابن قيم الجوزية الذي ألف كتاب “الفراسة” وفخر الدين الرازي الذي عنون احد كتبه بـ “الفراسة دليلك لمعرفة أخلاق الناس وطبائعهم وكأنهم كتاب مفتوح” وفي العصر الحديث اشتهر الأديب اللبناني جورجي زيدان بكتابه “علم الفراسة الحديث” وكتاب “الفراسة طريقك إلى النجاح” من تأليف الدكتور عزالدين محمد نجيب، بالإضافة للعديد من العناوين والكتب التي تحدثت عن قصص الفطنة و الفراسة عند العرب القدامى.
وفيما يلي نقدم للقارئ الكريم 3 قصص وترمز إلى ما يدور في اليمن من حروب وأمراض ومجاعات ونترك لفراسة القارئ استنباط وتفسير ما فيها وإسقاطه على واقع الحال :
1- إبان الاستعمار الانجليزي للهند لاحت لأحد المحافظين فكرة للتخلص من ثعابين الكوبرا القاتلة التي امتلأت بها الشوارع والبيوت في المحافظة فأعلن عن مكافئات مالية كبيرة لكل من يقتل كوبرا ويأتي بها للمحافظة تسلم تستلم " كاش داون " نحو شهور تزاحم الناس بالملايين إلى المحافظة يحملون الكوبرات الميتة ويتلقون المكافئات المالية لكن في الشهر الرابع عكس التوقعات بانخفاض معدل القادمين بالكوبرات الميتة ازدادت أعدادهم أضعاف أضعاف الشهور الأولى فذهب المحافظ في جولة تفقدية لمعرفة السبب وأصيب بالصدمة عندما علم أن الهنود قاموا بإنشاء مزارع لتربية الكوبرات وبيعها بالدستة للراغبين في قتلها وحملها للمحافظة !!.
الكارثة انه بعد أن تعرف المحافظ على أسباب زيادة الثعابين قام بإلغاء مشروع المال مقابل الكوبرا المقتولة وبذلك القرار اضطر أصحاب مزارع تربية الكوبرا لإطلاق سراح الثعابين لأنها لم تعد ذات فائدة فامتلأت الشوارع وتدفقت الثعابين السامة المميتة وشرد كل سكان المحافظة للنجاة بأرواحهم منذ ذلك التاريخ أطلق الخبراء على أي مشروع طائش غير مدروس وتأتي نتيجته أسوأ من الوضع الأول بقانون " تأثير الكوبرا "
2- سأل طفل والده : ما معنى الفساد السياسي؟
فأجابه لن أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذه السن لكن دعني أقرب لك الموضوع
أنا أصرف على البيت فلتطلق عليّ اسم الرأسمالية
و أمك تنظم شؤون البيت فلتطلق عليها اسم الحكومة
و أنت تحت تصرفها فلتطلق على نفسك اسم الشعب
و أخوك الصغير هو أملنا فلتطلق عليه اسم المستقبل
و الخادمة التي عندنا تعيش من ورائنا فلتطلق عليها اسم القوى الكادحة
اذهب يا بني و فكر عساك تصل إلى نتيجة !!….
و في الليل لم يستطع الطفل أن ينام فقام من فراشه قلقا فسمع أخيه الصغير يبكي فذهب إليه فوجده بدون حفاظة …….
ذهب ليخبر أمه فوجدها غارقة في النوم وتعجب أن والده ليس بجوارها
ذهب يبحث عن أبيه في أرجاء الشقة فسمع صوته يضحك في غرفة الخادمة ……… فعاد إلى فراشه تائها
في الصباح قال الطفل لأبيه :
يا أبي قد عرفت معنى الفساد السياسي .
فقال الوالد و ماذا عرفت ؟
قال الولد : عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة و تكون الحكومة نائمة في سبات عميق يعيش الشعب تائها قلقا مهملا تماما ويصبح المستقبل غارقا في القذارة !!!
3- عندما أراد أبو العباس الجهر بالدعوة لبني العباس في عهد حكم بني أمية جمع أنصاره وطلب منهم ترشيح مكان الانطلاق ..
فعرضوا عليه ثلاثة أماكن :
إما الحجاز ...
أو العراق ...
أو الشام ...
فرفضها كلها وقال :
أهل الحجاز مفتونين بحب الشيخين ( أبو بكر وعمر )
وأهل العراق ما نصروا ثورة قط وتعلمون ما قال فيهم الحجاج
أما الشام فقلوبهم معنا وسيوفهم مع بني أمية .
وهنا تعالت الأصوات ..اليمن.... اليمن ... اليمن.....،
فقال : إلا اليمن. ..
فقالوا له : لماذا ؟
فقال : في اليمن فرسان العرب ورجالها... ولكنهم أسرع الناس إلى الفتنة... وأعجزهم في الخروج منها ..!!!
رحم الله أبو العباس كان عنده بعد نظر ، فلو اختار اليمن ، سيظل بنو العباس يتحاورون حتى اليوم مع بني أمية في (جنيف والكويت والسويد وأستراليا والأمريكيتين وقارة أوربا ) دون الوصول إلى حل وستظل قوات الشرعية في تبة تهم والحوثيون في الحديدة وتنطبق عليهم قصة البدوي وفوطته القصيرة و امام المسجد متماسكين ب( يعفيني القارئ) وأترك ذلك لنباهته !!!
د. علوي عمر بن فريد