عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):
العراق: حادثة العبارة.. قدر أم فساد؟
الموت ليس بالأمر الغريب، لكن الغرابة في كيفيته.. التي إتخذت من أرض العراق حقلا لتجاربها المميتة.
من جسر الأئمة إلى حريق الكرادة, والعمليات الإرهابية والاغتيالات, وما امتلأت به الذاكرة من الصور المأساوية وصولا إلى حادثة العبارة.
رغم فداحة ما حصل بفعل الإرهاب الذي ما ترك موبقة إلا وارتكبها لإيقاع العدد الأكبر من الأبرياء، إلا إن للفساد دوره الذي لا يمكن السكوت عنه.
الإرهاب ظاهرة عالمية زرعت الرعب في مختلف بلدان العالم، مما جعله مرفوضا من الجميع، وسلط عليه الضوء إعلاميا وعقدت مؤتمرات وندوات لغرض مكافحته وتجفيف منابع الفكرية والمالية .
ما حصل من تعاطي تجاه الإرهاب لم يحصل مع الفساد.. مما جعل الثاني بدهائه مختبئا خلف فداحة الأول، وهذا جعل مهمة مكافحة الإرهاب سهلة قياسا بمكافحة الفساد .. فالإرهاب معروف الهوية والتوجه ومنبوذ من قبل الجميع بما في ذلك المفسدين أنفسهم!
تشير الوقائع إلى أن النتيجة واحدة عندما يستشري الداءان معا في جسد المجتمع، فكليهما سبب في إزهاق الأرواح البريئة، لتسجل الجريمة ضد مجهول، تعقبها تشكيل لجنة تحقيقية حول الحادث لا أمل بظهور نتائجها إلا قبيل النفخ في الصور!
بعد ذلك تتوالى التفاهات واحدة تلو الأخرى ومنها تعزية المسؤول حين تكون على شكل تغريدة، إذ يقول أحدهم "من لم يمت بالسيف مات بغيره... " فيما يغرد آخر معبرا عن عميق حزنه حيث يقول "الموت هو انفصال الروح عن الجسد", ولا ندري كيف وفق لهذا الإكتشاف العظيم !
إلى جنب هؤلاء تتصاعد "الحماوة " لدى عشاق الضجيج فيعللون سبب استهداف أبناء مناطقهم بأنه استكمال لمشروع بدأ من كربلاء، وهم فرحين بتلك الكرامة التي ستشكوهم إلى خالقهم يوما، لأنهم تمسكوا بالقشور وتركوا اللب يصدقهم في ذلك جمع من الهمج الرعاع الذين منحوا عقولهم إجازة طويلة الأمد .
كيف لعاقل أن يرجو خيرا ممن ادعى ما ليس له، حين تسربل جلباب القداسة وهو غارق في بحر الرذيلة!
غرقت العبارة ولا زالت الأجساد غاطسة، لكن خبث السرائر سرعان ما طفى على سطح الأحداث, فبنظرة بسيطة للكم الهائل من التصريحات التافهة، يتضح أن أغلب المتحدثين ليس له أدنى معرفة بمسببات الحادث فنية أو إدارية. ..ولا حتى سياسية!
عذرا أيها ال ... مع ازدراء الألقاب، بما انه لديكم هذا الكم الهائل من المعلومات، وكما معروف عندكم أن الوقاية خير من العلاج فلماذا أخفيتموها عنا ولم تطوقوا الحدث لتساهموا في الحيلولة دون وقوعه لتشملكم رعاية من قال (من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) ؟
أم أنها الفرصة المؤاتية لينقض بعضكم على البعض الآخر طمعا بالغنيمة التي أنستكم الاستنجاد بالعمق العربي؟!