من الوحدة المقبورة

متى يكون الاعتذار لعدن حتى المهرة ؟

الثورة ضد المحتل الأجنبي واجب وطني وشرعي ومنها ينبثق الاستقلال والحرية وهما شيئان مقدسان لكل الأمم , ومن هنا يُفهم أن الثورة والاستقلال هما أسلوب حياة وتضحية يعلمهما الكبار للصغار , لكن ماذا إذا الثورة تعارضت مع وثيقتها الخاصة وقيمها الوطنية وناقضت أهدافها و خرجت عن مسارها وعن سلطة الشعب وسلكت طرق ملتوية وانقلابية وصراعات بين الثوار وتصفيات جسدية فيما بينهم , وماذا إذا عُمر الاستقلال أكثر من 49 سنة والجنوب العربي محلك سر , ماذا إذا في عهد الاستقلال وحتى يوم الوحدة المقبورة قُتل من أبناء الجنوب أضعاف ما قتلهم المستعمر , ماذا إذا أثناء الصراعات العسكرية الداخلية و الخلافات الأيديولوجية لقادة الثورة كانت تُدمر منجزات البنى التحتية البسيطة في عدن والمحافظات الأخرى , ماذا إذا الشذوذ الفكري والاقتصادي لبعض من زعماء الدولة حرم المواطن الجنوبي من أملاكه الخاصة محلات , أراضي و مساكن وشركات و زج به في طرق البؤس المعيشي , ماذا إذا سياسية الدولة بعد الثورة والاستقلال كانت تصادمية مع الغرب والجيران , وهي السياسة التي كانت لا تشير إلى حصافة أو ذكاء النظام بل إلى استهتار بمصالح الدولة والشعب أوصلتنا إلى عزلة دولية وعداوات مع دول كثيرة على المستوى الغربي و العربي واليوم نحن في القاع , بسبب جهل بعض الثوار بمبادئ و مفاهيم أسس بناء الدولة و العلوم السياسة و العلاقات الدولية , ماذا إذا اتخذ قرار مصيري متسرع لوحدة الجنوب مع اعتى الأنظمة تخلف ودموية , الذي نهب الثروات وضحاياه بمئات ألآلاف من القتلى و المفقودين و أحزان و بكاء الأمهات والأرامل والأطفال لا يتوقف حتى يومنا هذا, ماذا إذا منجزات الثورة والاستقلال ألان هي الفقر و الإرهاب والتطرف والفساد الذي يجتاح الجنوب من عدن حتى المهرة .
ان السلوكيات أللاديمقراطية و أللاسلمية وأللا تطورية لبعض الثوار الرعاع بعد الاستقلال جعلت فكرة الثورة ونتائجها هي الأسوأ فكريا وإنسانياً والأكثر عنف ودموية مع احترامي الشديد لبعض الشرفاء الأحياء منهم والأموات , الذين كانوا ثوار وطنيين بحق وسعوا بكل حب وأمانه وإخلاص لبناء دولة ديمقراطية مستقلة , دولة العدل والمساواة , دولة الجنوب العربي المنفتحة في جوانب الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدبلوماسية على كل العالم , لا دولة الحزب الواحد المنغلقة على نفسها و ربط المواطن والاقتصاد والسياسية بأيدلوجية وحيدة أثمرت عن ضياع حقوق دولة وشعب بالكامل , وبمراجعتي لكل قناعاتي السابقة وصلت إلى التفكير ألديمقراطي الحقيقي , و بعدها راجعت إنجازات الثورة والاستقلال في الجنوب العربي حتى 22 مايو 1990 فوجدتها وهماً كبيراً , لأنها إنجازات أجهضت التعددية و الديمقراطية وقيدت الحريات وأطلقت يد الأجهزة الأمنية , و ازداد يقيني , بأننا كجنوبيين عشنا فترة من الجمود في التطور الاقتصادي والسياسي وان الضعف اليوم , الذي تعانى منه الحركة السياسية في الجنوب العربي هو نتيجة ألامس , نتيجة عدم التداول السلمي للسلطة و الإدارة الكارثية للدولة باعتماد سياسة الحزب الواحد والمناطقية , لذلك على كل من ساهم في وقف تطور الجنوب العربي وشرد أبنائه وأفقرهم و جعل مدينة عدن تنافس الغالية بغداد بالتفجيرات الانتحارية و القتلى و مساكنها وشوارعها تتشابه مع قندهار أن يقدموا اعتذارهم للشعب الجنوبي , وعلى كل من جعل بحارنا وأبار ونفطنا وغازنا وسمائنا فيد لحثالة الأرض عليهم أن يقدموا اعتذارهم للشعب الجنوبي , وعلى كل من أوصل خيرة كوادرنا وأستاذتنا المتقاعدين وجعلهم كالشحاتين على أبواب البريد أن يقدموا اعتذارهم للشعب الجنوبي , وعلى الذين ساهموا وشاركوا في نهب وبيع الأراضي وفي خلق و تربية مافيا الكهرباء و بارونات الاستيراد و التصدير وشركات المقاولات الوهمية و لصوص مداخيل الغاز و البترول أن يقدموا اعتذارهم  للشعب الجنوبي , وعلى كل من دعم وساعد في  نشر  الفساد السياسي و الاقتصادي و الإعلامي والقضائي و التعليمي لتدمير الجنوب عليهم أن يقدموا اعتذارهم للشعب الجنوبي .


أدرك أن بعض المقاقين ( المزايدين ) سيتهمنا بالمخلص للتذكير بالتواريخ السوداء للجنوب العربي و بالجهل السياسي والثوري والعمالة ووو , و في نفس الوقت لدي يقين أن البعض الأخر سيدرك مثلي أن سذاجتي ومراهقتي الفكرية حتى 22 مايو 1990 هي التي جعلتني وجعلتهم ينبهرون بالأيدلوجية الوحيدة في البلاد , وبأنها ماما و بابا , لكن علينا عدم الاستسلام لخداع الذات , بل معالجة ماضينا الناقص أركان الحياة والتطور حتى لا يتكرر ولأن ذاكرة الشعوب لا تنسى , و علينا وصف كل شيء وكل شخص بما يستحق , ليس من أجل الدخول في صراعات عبثية جديدة ولكن من آجل الانطلاق نحو المستقبل بطريقة سليمة وامتلاك وعي مستقل حر بعيد عن حشو الأيدلوجيات بكل أشكلها ومن اجل أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح نحو أنشاء نظام ديمقراطي عادل خالي من الصراعات المناطقية و السياسية .