ماجد الشعيبي يكتب:
الانتقالي.. علاقات الخارج وتحالفات الداخل
للمرة الأولى يستمع العالم إلى الجنوب باعتباره فاعلاً مستقلاً، لا باعتباره ضحية مهمشة.. صحيح أن الزبيدي لم ينتزع من مضيفيه اعترافاً صريحاً بكيانه السياسي كممثل حصري عن الجنوب.. وصحيح أن موسكو ولندن -رغم حفاوة استقبالهما- لم تغيرا خطابهما الرسمي المتمسك بوحدة اليمن.. إلا أن المجلس الانتقالي بات يحظى بدائرة واسعة من العلاقات الديبلوماسية التي تتجاوز الإقليم إلى عموم العالم.. وما يبدأ اليوم بالتعارف ينتهي غداً بالاعتراف.
هكذا يراكم الانتقالي رأسماله السياسي للمستقبل الحافل بالغموض والتقلب، وما يظهر اليوم كحملة علاقات عامة ينتهي بالغد كخارطة تحالفات جديدة.
جولة الزبيدي الديبلوماسية لا تكتسب أهميتها السياسية من نتائجها المباشرة أو دلالاتها الرمزية، فالعالم لا يرجح أحداً على أحد، وإنما يقيس ويختبر البدائل الجاهزة لملء الفراغ داخل أي أزمة.
وبرأيي فإن ما يهم في طواف الزبيدي هو المنطق السياسي الذي انطلق منه الرجل، وبات ينتهجه كمسار استراتيجي؛ إذ لا تتناقض أهداف الاستقلال مع مقتضيات الانفتاح السياسي.
وبالمثل تحاول نخبة الانتقالي ممارسة السياسة بعيداً عن الانعزالية أو الأنانية المفرطة، بعد أن تيقنت من التجارب الحية عقب التحرير، أن الشمال لا يمكن أن يظل عدواً أيديولوجياً أبدياً. وهو اليوم بحكم التغير الجذري في موازين القوى قد أصبح مجالاً حيوياً مكشوفاً يمكن للحركة الجنوبية التفاعل معه استباقياً، بغية تشكيله على غرار تجربة "الاشتراكي-الجبهة الوطنية".
خلال الأعوام الأخيرة تقاربت بشكل عفوي مسارات المقاومة الشعبية جنوباً وشمالاً؛ في 2017 جاهر الزبيدي الجميع بأننا ذاهبون إلى الحديدة كي ننصر إخوتنا في تهامة ونؤدي واجبنا القومي.
وفي 2018 قالت المقاومة الجنوبية إنها ستدعم وتسلح المقاومة الشعبية في الشمال، متجاوزة خصومة الأمس السياسية، إذ يبدو الخطر الوجودي مشتركاً في أقصى الشمال.
وفي 2019 اكتشف الانتقالي أن التدخل شمالاً لا يمكن أن يظل انتقائياً، بحسب ملاءمة الجبهات والحلفاء، وأن مناطق الوسط (إب، تعز، والبيضاء) التي كانت تاريخياً الامتداد الجيوسياسي لأي سلطة جنوبية -وحدوية كانت أم انفصالية- تحتاج هي الأخرى إلى تدخل استباقي لحماية مجالها الحيوي.
بحكم قواعد السياسة فإن من يمتلك فائض القوة يكون مؤهلاً لتوسيع نفوذه الجيوسياسي، واستدامة هذا النفوذ يتطلب مزيجاً من القوى الناعمة والخشنة؛ بحيث يترافق مسار التحرير العسكري مع بناء مشروعية أخلاقية تصنع بدورها توازناً مرضياً للمصالح إلى جانب توازن القوى.
وحتى الآن نجح الانتقالي بتصدير أدواته الناعمة إلى عواصم أوروبا الغربية والشرقية، لكنه لم يفعل ذلك مع المحافظات اليمنية الشمالية.
وهذا هو الامتحان الأبرز في وجه المجلس الانتقالي، وهو امتحان يبدو الزبيدي مؤهلاً لإنجازه بجدارة، فكل ما يحتاجه هو تحويل استراتيجية الانفتاح الجيوسياسي إلى خطاب سياسي تصالحي؛ يسحب البساط شمالاً من تحت أقدام الحوثي والإصلاح، ويزخم حلفاءنا السياسيين الرسميين أو الضمنيين، لاسيما في تعز التي تشهد حراكاً سياسياً وشعبياً غير مسبوق.
يستطيع الانتقالي تغيير القناعات الدولية تجاه الأزمة اليمنية، ويستطيع صياغة التحالفات اليمنية بشكل غير مسبوق، يضغط من خلاله على مراكز القوى الشمالية المعادية للاستحقاقات الجنوبية (حزب الإصلاح وحركة الحوثي)، ويساند القوى المدنية الديمقراطية التي تعترف بحقنا كجنوبيين في تقرير المصير بمسألة الوحدة، مقابل أن نساعدها بتقرير مصيرها السياسي شمالاً ضد ذات القوى المتغلبة.
بعبارة أخرى يحتاج الانتقالي إلى أن يفتح قنوات حوار نشطة في أربعة مستويات متزامنة:
- حوار جنوبي جنوبي، بين مكونات الحركة الجنوبية.
- حوار بين الشرعية والانتقالي، أو جنوبيي السلطة وجنوبيي المعارضة.
- وحوار بين الانتقالي والقوى السياسية الحليفة في الشمال (اشتراكي، ناصري، مؤتمر)، ويمكن للاشتراكي أن يكون همزة الوصل بحكم نفوذه في الجهتين.
- وحوار بين الانتقالي وعواصم الإقليم والعالم، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، ويبقى أن يحضر في واشنطن والرياض.