خير الله خير الله يكتب:

تحويل التحديات إلى فرص.. من البحر الميّت

للمرّة العاشرة استضافت الضفة الأردنية من البحر الميت المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد، كلّ شتاء، في منتجع دافوس (سويسرا). مرّة أخرى يحاول الأردن تحويل التحديات الكبيرة والخطيرة التي يواجهها إلى فرص. يعمل من أجل ذلك في ظلّ ظروف صعبة ومعقّدة. لا يزال الملك عبدالله الثاني يسعى إلى تأكيد أنّه لا يزال هناك مجال للتفاؤل، وأنّ في الإمكان الرهان على الثروة البشرية في المنطقة وعلى عنصر الشباب فيها وعلى رفع مستوى التعليم. تلك هي الرسالة الأردنية انطلاقا من البحر الميت الذي يشهد طفرة في عدد الفنادق السياحية والمنتجعات فيه.

في هذا الإطار، قال العاهل الأردني في افتتاح المنتدى “يمثل أبناء منطقتنا، الذين يزيد عددهم على 300 مليون، مجموعة من المواهب المتحفزة للمنافسة على مستوى العالم، كما يوفرون سوقا كبيرا من المستهلكين ومؤسسات الأعمال. وتحقق اقتصاداتنا النمو وتتضاعف الآفاق فيها مع كل جهد يبذل للاستثمار في الفرص الكبيرة المتوافرة في هذه المنطقة، ومع كل استثمار تولّد فرص عمل لأبنائنا الشباب، وكل استثمار يوفر لعائلاتنا العيش الكريم. وهذا يحقق الفائدة لمجتمعاتنا، كما يحقق الفائدة للآخرين، لأن ما يجري في منطقتنا ينعكس على العالم أجمع”.

من المفيد دائما التذكير، في سياق المواقف التي صدرت في كلّ وقت عن المسؤولين الأردنيين أن المملكة لم تطلب في أيّ وقت إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالقوة أو بأيّ طريقة كان، خلافا لما يطالب به بعض العنصريين في لبنان من الذين يتجاهلون أن هؤلاء اللاجئين السوريين يعانون، مثلما تعاني المنطقة كلّها، من وجود نظام سوري أقلّوي يريد أصلا التخلّص من أكبر عدد من المواطنين السوريين.

قال عبدالله الثاني لدى تطرقه إلى قضية اللاجئين السوريين في الأردن “كما تعلمون، واجه اقتصادنا تحديات كبيرة خلال العقد الماضي. وقد دفع الأردن ثمنا كبيرا لقاء قيامه بالعمل الصحيح تجاه اللاجئين، ونحن نعمل بجهود دؤوبة مع شركاء دوليين لزيادة المساعدات للاجئين وللمجتمعات المستضيفة لهم أيضا”.

لم تغب السياسة عن المنتدى الاقتصادي، لكنّ المواضيع التي طغت كانت مرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم، وهي ثورة مرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي وبالطاقة النظيفة. لم يعد سرّا أن الأردن يعتمد أكثر فأكثر على الطاقة الشمسية وتلك التي تنتجها الريح.

من الملاحظات التي يمكن التوقف عندها حضور رئيس نيجيريا، إبراهيم بخاري، إلى البحر الميت وإلقائه خطابا تطرّق فيه إلى الدور الإيجابي الذي يلعبه المغرب في إطار التعاون مع الدول الأفريقية الأخرى، خصوصا في مجال بناء مصانع تنتج أسمدة بفضل الفوسفات المغربي. كذلك، حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي ركّز على أن المنظمة الدولية ما زالت تعمل من أجل تسوية عادلة في المنطقة تقوم على خيار الدولتين.

كما العادة، تولى كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي التحدث عن الخطوط العريضة لما يفترض أن تشهده الجلسات المنعقدة في البحر الميت من نقاشات. ركّز كلاوس على التغيير المناخي داعيا إلى التعاطي بجدّية مع هذا الموضوع الخطير الذي ترفض الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب إعارته ما يستحقّه من اهتمام.

رافق المنتدى الاقتصادي العالمي في دوراته العشر التي استضافها الأردن الأحداث الكبيرة في الشرق الأوسط وذلك منذ ما يزيد على عشرين عاما. كان ملفتا في لقاء هذه السنة الغياب الإسرائيلي الرسمي شبه الكامل عن البحر الميت بضفته الأردنية. لم يكن سبب ذلك موعد الانتخابات الإسرائيلية فحسب، هناك أيضا أسباب أخرى تبدو مرتبطة بالموقف الأردني من القدس. هناك إصرار لدى الملك عبدالله الثاني على رفض أن تكون القدس كلّها (الشرقية والغربية) عاصمة لإسرائيل كما يدعو إلى ذلك دونالد ترامب الذي نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة. هناك أيضا إصرار أردني على خيار الدولتين، وعلى أن لا استقرار في المنطقة من دون تسوية عادلة ومقبولة للصراع العربي-الإسرائيلي تؤمن قيام دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقية. لا اعتراض أردنيا على أن تكون القدس عاصمة لدولتين…

انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في وقت يسعى فيه الأردن إلى التغلّب على الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها منذ سنوات عدّة. لم يعد سرّا أن عَمّان تعيد ترميم الجسور مع بغداد. لم يعد سرّا أن الأردن عانى الكثير من الانهيار الذي حصل في سوريا، ومن الحرب التي يشنّها النظام على شعبه. خسر الأردن الكثير بسبب العراق الذي كان يمده بكميات من النفط بسعر معقول قبل العام 2003، وخسر أيضا عندما تعطل وصول الغاز المصري في الفترة التي كان فيها الإخوان المسلمون في السلطة في مصر. تسبب ذلك بخسائر كبيرة تقدر بمليارات الدولارات.

تبقى نقطة في غاية الأهمية شهدتها إحدى الندوات التي انعقدت في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي. هذه النقطة هي السجال بين يوسف بن علوي وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية من جهة، وأيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني من جهة أخرى. قال بن علوي معلقا على كلام للوزير الأردني “عندما آتي إلى القضيّة الفلسطينية، إن إسرائيل قامت بعد الحرب العالمية الثانية بتوافق بين المنتصرين في هذه الحرب”. وبعدما أشار إلى الحروب التي قامت في 1948 و1967 و1973، انتقل إلى القول “نحن الآن في هذا الزمن نبحث عن الوسائل التي تجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة مستقرّة ومتطورة” وتساءل “لماذا تركت إسرائيل غزّة وسيناء ولماذا بقيت في الجولان والضفّة الغربية”. لخّص المشكلة بأن إسرائيل، على الرغم من القوة التي حصلت عليها، “غير مطمئنة إلى مستقبلها في محيط عربي”. واعتبر أن “على العرب تبديد المخاوف الإسرائيلية بإجراءات واتفاقات حقيقية تشعر إسرائيل بالاطمئنان”. باختصار شديد، رمى الوزير العُماني الكرة في الملعب العربي، في حين ردّ عليه الوزير الأردني بما معناه أن الكرة في الملعب الإسرائيلي، وأن إسرائيل لم تفعل شيئا من أجل إنهاء الاحتلال مركّزا على أنّ المشكلة الأساسية هي في الاحتلال وفي رفض خيار الدولتين.

بدا واضحا أن الوزير العُماني أراد تبرير الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمسقط في تشرين الأوّل-أكتوبر من العام الماضي حيث أجرى محادثات مع السلطان قابوس. الأكيد أنّ بن علوي كان لديه منطقه، لكنّ الأكيد أيضا أن هذا المنطق لم يُقنع معظم الذين كانوا يحضرون الندوة. وقد صفّق هؤلاء طويلا لوزير الخارجية الأردني الذي اعتبر أحد السياسيين الأردنيين أنّ الوزير العُماني قدّم له هديّة قيمة عندما تحدّث عن المخاوف الإسرائيلية متجاهلا الاحتلال الإسرائيلي والظلم الذي تعرّض له الفلسطينيون.

المهمّ أن السجال بين الوزيرين كان من النوع الراقي. هذا ما يميّز مكانا مثل الضفّة الأردنية من البحر الميّت حيث يكتشف المرء أن الأردن في بحث دائم عن حلول ومخارج على الرغم من كلّ الصعوبات والأزمات التي تمرّ بها المنطقة والتي تؤثر عليه بشكل مباشر.