خالد واكد يكتب لـ(اليوم الثامن):

للحرب مآسٍ.. وفوائدها حقيقة

هذه الحقيقة التي يغفلها البعض لم تكن الحروب على مدى التاريخ، رغم مأساويتها وخرابها ودمارها، إلا ان لها فوائد جمة في أحيان أخرى ومن تلك قول المثل الشائع «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ففي الحروب هناك من يستفيدون ويوصفون بأنهم «أغنياء الحرب». معظم البلدان العربية أو ما يسمى بدول الربيع العربي والتي تشهد حروبًا داميةً مدمرةً ومسودة الآلاف من المواطنين، وحصل في المقابل انتعاش اقتصادي في البناء والتعمير وسوق العملة الذي يزدهر أكثر في هذه المناسبات في المدن والقرى المجاورة لمناطق ومدن التي تشهد الحرب والمعارك الطاحنة، وهو ما يحدث في سوريا حيث انتعشت اقتصاديات المدن التي لم تصلها المعارك وازدهرت بالحركة التجارية، كما أن الحرب استوعبت الآلاف من الشباب العاطل في المعارك مقابل أجر مادي قد يكون زهيدًا مقارنة بحالة البطالة الشديدة والفقر والعوز، فالحرب كانت بالنسبة لهم الفرج بحصولهم على مبلغ مادي شهريًا تكفيهم الحاجة هم وأولادهم.

وكذلك في حالة الحرب في اليمن كانت فوائد بقدر مساوئها فقد استوعبت الحرب الأخيرة الآلاف من الشباب العاطل الذي كان يتسكع في الشوارع والمقاهي دون عمل أصبح معظمهم عسكريين في موسسات عسكرية يتقاضى نهاية كل شهر راتب ومعاش يقيهم الحاجة والعوز والفقر مبلغ مالي كان كفيلًا بأن يدخلهم القفص الذهبي وبناء أسرة سليمة، إضافة إلى أن الحرب أفرزت المئات من الناشطين والإعلاميين والمحللين، وحتى موظفين وعمال يعملون لدى المنظمات الإغاثية الذين يتقاضون مرتبات بالعملة الصعبة من تلك المنظمات والأهلية الحمراء العربية العاملة والناشطة في اليمن كانت الحرب فرصة ذهبية أبرزت مواهب البعض من الإعلاميين الذين يصدحون بصوتهم عبر شاشات التلفزة وناشطين لدى منظمات ومؤسسات عربية ودولية. الحقيقة كانت الحرب مصدر رزق للعشرات من مقتنصي الفرص من رجال الأعمال وتجار الأراضي ليصيروا في لحظة من أصحاب الثروات والأموال.

الحرب ليست شرًا كاملًا ولا فوائدها عامة

كما أن للحرب فوائد أخرى، بعضها نفسي وسياسي وثقافي وليس فقط ماديًا. لكن، في ظل الظروف التي يمر بها العالم الآن، وخاصة على الصعيد الاقتصادي الذي تجاوز فيه حجم التجارة العالمية ووصل لمستوى 44 تريليون دولار، وعندما تهب تلك المساعدات الدولية والإعانات الإغاثية والدوائية، ومن ثم فيما بعد الشروع في برامج إعمار شاملة بمساعدة دولية تعيد للدولة بعض من رونقها في حلة جديدة واقتصاد وبنية حديثة ما كان لها أن تتحقق في حالة ما قبل الحرب من سلم وهمي عنوانه الفساد السبب الرئيس الذي أوصل البلد للحرب بعدما تركزت مصادر الثروة والمال في يد فئة قليلة استأثرت لنفسها الحق في ذلك، وتركت الشعب يغوص في الفقر والعوز والحاجة، والحرب دومًا هي تصفية القديم بمساؤه ليأتي بالجديد، وهنا مربط الفرس، فإما يكون جديدًا صالحًا أو جديدًا يكمل ما تعمله وتشربه من مدرسة القديم الطالح وهنا تكمن المصيبة والخطر الأكبر على الشعب، بل الأمة عندما لا يحدث ذلك التغيير للأفضل والأصلح وعندها يكون لسان حال الشعب يقول المثل الشائع «كأنك يا بو زيد ما غزيت» ليستعد الجميع لجولة جديدة من محاولة التغيير والصراع من أجل الأفضل والأصلح.

وتبقى الحرب ليست شرًا كاملًا وليس خيرًا عامًا، فقد أعادت الحرب صياغة مفاهيم الشجاعة والرجولة والبسالة ومعرفة الحق من الباطل، أصحاب المبادئ الصحيحة والسليمة واصحاب الأفكار والمعتقدات الخاطئة، وكما أن من أهم فوائد الحرب أنها الوسيلة الوحيدة القادرة على حسم المسائل النزاعية التي لم تستطع أن تحلها كافة الوسائل الأخرى.

في المحصلة، فالحرب عمومًا تبقى حقيقة ثابتة لوضع حل حاسم لابد عنه في إعادة صياغة النظام العام للبلد والشعب تلجأ إليه كافة الشعوب والدول. ربما يستغل بعض الحكام في نفوس شعوبهم الخوف من الحرب تارة التهديد (إسرائيل، إيران، تركيا كعدو خارجي، و«القاعدة»، «داعش»، الحوثية كعدو داخلي) لأسباب ما مثلما يحدث تمهيدًا لفرض واقع سياسي جديد في البلد وهو ما يعتبر خطرًا علي ذهنية الشعب وعقيدته المقاومة.

أخطر شيء يصيب الشعب أن يهزم من الداخل، الخطورة ليست في هزيمة دولة من خارجها، إنما هزيمتها من داخلها بأن يقع شعبها في الإحباط واليأس وأن تسود بين مواطنيها ثقافة الطريق المسدود وثقافة أن الهزيمة واقعة لا محالة وأما النصر فهو بعيد المنال، لكن مشاعر الخوف واليأس لا تبعد شبح الحرب، فهي تعبير أصيل عن نزعة الصراع في جوهر البشر بما يصاحبها من سفك دماء الغير والاستحواذ علي ما يملكه، لذلك هي أقدم ظاهرة عرفها التاريخ، وإن جرى في عصور لاحقة تبريرها وتسويقها بأغطية تمنحها المشروعية.

الحرب صراع بين الخير والشر

وفي العصر الحديث جرى تبرير الاستعمار والاحتلال الغربي بتثقيف وتحضير بل علمنة بلدان الشرق المتخلف عن طريق نشر الديمقراطية الزائفة التي لم تتقبلها، ولن تستطيع تقبلها منطقة الشرق الأوسط ديمقراطية تزييف الوقائع والرأي العام والمال السياسي الذي ينشط ليظهر لنا الساسة المتنفذون والفاسدون أو هو ما يعني أن الدوافع الحقيقية للحرب تختلف تمامًا عن أسبابها المعلنة من قبل الذين شنوها. ولدينا في حروبنا المعاصرة في المنطقة العربية نماذج عديدة لمثل هذه الوقائع منها الحرب الأمريكية على العراق التي تعد أبرز مثل للكذب والتسويف والافتراء لتبرير الحرب بعدما ثبت مؤخرًا عدم وجود أي سبب مما أعلنته أمريكا من مبررات لضرب العراق وتدمير بنيته في كل المجالات. وهو نفس التشويه والتزييف للحقائق الذي كان هدفها تدمير سوريا بحجج مماثلة لتلك التي تم خلالها احتلال وتدمير العراق.

ويمكن القول إن الحرب حالة الطبيعة في الصراع على هذه المعمورة والإنسان جزء لا يتجزأ من هذه الطبيعة، وهو ما يؤدي إلى عدم استمرار السلام لأن تناقض المصالح بين الأفراد والمجتمعات والدول يقود إلى الصدام، فالمواجهة، ثم الصراع لكي يسود في النهاية الأقوي.

ومن الصعب أن يتخلص الإنسان نهائيًا من ظاهرة الحرب لكي يتحقق السلام ويسود ربوع الأرض ما دام هناك تمايزات بين المجتمعات والدول. وكل الأديان السماوية والوضعية تحض تابعيها علي الحرب والدفاع عن أنفسهم وبعضها يحرض على تدمير العدو. ويقول تعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم»‬.. كما يقول: «وعسي أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم»‬.

الحرب اليوم أصبحت تعبير عن القوة وفرض الاتجاه السياسي والاقتصادي، بل والثقافي والديني بالقوة على الدول والشعوب.

ومن أهم فوائد الحروب تصنع تاريخ الشعوب تمنع الدول الأخرى من محاولة التدخل أو الاعتداء على الدولة تصنع الأصدقاء الخائفين، والأصدقاء الطامعين، والأصدقاء المتملقين، والأصدقاء المتربصين، وتحيِّد الأعداء الضعفاء توثق تاريخ الشعوب والدول وتطور الثقافات وتزيد من التراكمات المعرفية وتفرض الثقافات فتسود ثقافة على ثقافة كما تطور الاقتصاد وتجعله متحركًا دائمًا وتزيد من ثقة الشعوب في نفسها حتى أن الانتصارات لها قيمة ذاتية في صناعتها الأبطال والرموز الوطنية وتصد القناعات المعادية وتمنعها من التمدد ومن فوائد كل الحروب أنها تحقق السلام وتمنع إذلال الشعوب وامتهان كرامتها وتقوي الشعور بالإيمان وتثبت عقائد الشعوب كما تقوي التجارة البينية في إطار الدولة، وحتى بين الدول عندما تحقق الأمان لمحافظة لعدة محافظات، كما أنها تقلل من الزيادة السكانية، وأخيرًا تمكن الشعوب من استشراف المستقبل بإمكانيات ومعارف أكبر وبإرادة وعزيمة أقوى.​