د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي !!

اشتهرت بعض القبائل في الجزيرة العربية بالحكمة ورجاحة العقل ،ولي صديق عزيز لا يحب الظهور من أحدى الأسر القبلية العريقة والمشهورة ، التي تعتبر مرجعا لقبيلتها في الأحكام القبلية وكلمتها نافذة، وصديقي هذا غزير العلم واسع الثقافة ينقد مقالاتي ويختلف معي في رأيي وطرحي أحيانا وأستغرب نظرته للأمور وتفسيره للأحداث وتأويلها وأصاب بالدهشة من آرائه ، ولكن الأيام أثبتت لي أنه حصيف الرأي وأكثر مني حكمة ورؤية مستقبلية للأمور وحتى من ذوي الاختصاص وقد أوحى لي بمقالي هذا .
المثل أعلاه مثل يمني قديم يتداوله اليمنيون والبعض منا لا يعرف معناه وله مغزى كبير جدا ففي الفترة ما بين الأعوام 1816م- 1835م كان يوجد أكثر من إمام في اليمن وتحديدا في صنعاء وهما :
1- المهدي عبدالله بن أحمد علي الرسي .
2- الهادي أحمد ن علي السراجي .
وكلاهما يريدان أن يحكما في تلك الفترة التي اقترب فيها العثمانيون من الحجاز ونجد ، والبريطانيون من عدن ..مع العلم أن ليس للطرفين أي حق في تلك البلاد العربية ، وفي تلك الفترة حدثت حروب طاحنة وكانت القبائل اليمنية منقسمة وتتقاتل فيما بينها من أجل عيون الهادي والمهدي!!
وقيل أن الحرب دامت أكثر من سنة حتى عرفا أنه لا مخرج من الحرب ،وأن الوحدة هي الضامن لحكمهما ،فأرسلا وفدين يمثلانهما من الهاشميين وليس معهم أي قبيلي فقط من بيت الشامي وشرف الدين ومن السلاليين ، فاجتمع الوفدان وتباحثا عن الأحوال المحيطة بهم وأتفقوا جميعا على رأي ومقولة واحدة هي : (( الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي ))!!
أي أن ما تم هدمه سيتم إعادة بنائه ..أما " القبيلي " فهو مجرد حجر شطرنج نلعب فيه كما نشأ .. الدم والقتل والتهجير له والحكم لنا!!
ويتضح لنا عبر التاريخ الدموي للإمامة، أن نظام حكم الأئمة قام على الغدر والخيانة مع كبار حلفائهم، ووجهاء وكبار قبائل اليمن على مر الأزمان..
ويروي المؤرخ لطف الله جحاف، أنه أيام حكم الإمام عبدالله المهدي، في يوم الخميس 15 ربيع الثاني سنة 1818م اتخذ الإمام المهدي عبدالله قرارا خطيرا بمغادرة صنعاء إلى الغراس الواقعة على بعد 25 كم شمال العاصمة، حيث زار قبر جده المهدي أحمد بن حسن بن قاسم، وفي طريق عودته أمر بإحضار كبير نقباء ومشايخ بكيل، النقيب الشيخ على بن عبدالله الشايف ، من سجنه في قصر البستان المتوكل، وفي آخر النهار أمر بقطع عنقه وعلقت جثته لثلاثة أيام!!
وللمزيد من الإذلال والإهانة أمر بدفن جثته في محل النجاسات والقاذورات ورميها فيه في مكان بين باب شعوب خارج سور صنعاء!! .
وكان المهدي ذاته فتاكا لا يبالي بالعواقب، فقد أراد إخافة وإذلال وإهانة مختلف قبائل اليمن، فقد أمر بقطع رأس الشيخ العذري كبير مشايخ أرحب، رغم أنه كان ضيفا عنده وسلمه الأمان..
كما شن حملات عسكرية وقام بهدم بيوت مشايخ عمران، وعيال سريح، ونهم، وقتل كبار القوم لإذلال بقية القبل اليمنية، وإخضاعها لهيمنته وجبروته وهذا ما يمارسه اليوم صبيان الحوثي الذين داهموا القبائل في قصر علي محسن الأحمر !!.
وقد خاض اليمنيون جولات مريرة من الصراع مع التواجد الهاشمي في بلدهم بسبب ممارساته الدموية الظالمة والجائرة وقد بدأت تلك الجولات بعد سنوات قليلة من دخوله اليمن ، حينها خاض الهادي يحيى حسين الرسي أولى تلك الحروب مع بعض حكام الأقاليم والمدن الحميريين ، وبسبب دمويته ووحشيته المفرطة خضعت له عدد من المناطق والقُبُل اليمنية وأسس ما يشبه بالإمامة الزيدية. وعلى مدى ألف سنة ظل التواجد الهاشمي على الأرض اليمنية متذبذبا بين التوسع إلى كل أنحاء اليمن أو الإنكماش إلى ضواحي صعدة وذلك بسبب الانتفاضات والحركات الثورية في الكثير من مناطق اليمن ، ويقول الشهيد الثائر محمد محمود الزبيري في كتابه:" الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" إن الإماميين كانوا يعمدون على تدعيم مركزهم الروحي بين القبائل تحت ستار “التشيع لآل البيت”، حتى يرسخ في عقلية الشعب أن الإمام ظل الله ونائبه حقا وأن منزلته كمنزلة رسول الله، ومركزه فيهم تشريع إلهي ،وكل ما ورد في رسول الله ينطبق على الإمام لأنه نائب الله وخليفته.
• وكان كل من لا يناصرهم، أو يعارضهم يطلقون عليه الحملات الطائفية ضد ما يسمونه “كفار تأويل ” خاصة الذين لا يدينون بالمذهب الإمامي ،ويكثرون عليهم البطش والسلب والنهب والظلم القبيلة جزء من تركيبة المجتمع اليمني وتظهر عندما تضعف سلطة الدولة ويتلاشى تأثيرها بنفوذ الدولة. ونتيجة لممارسة النظام السابق في تغذية الصراعات والثارات القبلية وخلق نزاعات، عاد نفوذ القبيلة. وما يحصل في المناطق الوسطى والبيضاء ورداع، هو عمل منظم وقوده القبائل وتشرف عليه جهات حوثية ، والدليل على ذلك توزيع أفراد الأسرة الواحدة بين المتقاتلين من الطرفين وما يحصل هو التنازع العام على السلطة والدليل على ذلك توزع القبائل اليوم بين الشرعية والحوثي وهو ما حدث إبان الحرب بين الملكيين والجمهوريين في الستينات :بالليل ملكي وبالنهار جمهوري واليوم توزعوا بين حوثي وشرعي!!
والقبيلة في اليمن في الوقت الراهن لم تعد تتحلى بتلك الصفات التي كانت عليها منذ القدم التي مكنتها من السيطرة على مجريات الأمور واحتكم الناس لقوانينها وأعرافها، بل أضحى بعضها شيئا آخر، ويمكن القول إنه لم يبق إلا الصفات السيئة عند بعض وجهاء القبيلة الذين يستخدمون مناصبهم القبلية للابتزاز والاسترزاق وإعاقة كل محاولة للتحديث والتمدن!!”.
ونعود إلى المثل " الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي " وأقول :
من المؤسف أن هذا المثل ما زال يتداول وخاصة في صنعاء وما حولها وكثير منهم يرددونه ولا يعرفون معناه !!
شعب لا يقرأ التاريخ وإذا قرأ لا يفهم ولا يفكر في تفسيره ومعناه وأهدافه ومراميه !!
شعب أصبح اليوم مجرد حجر شطرنج يلعب على رقعتها الدخلاء والسلاليون الطامعون من الحوثيين أتباع الفرس .
د. علوي عمر بن فريد