د. عيدروس النقيب يكتب:
نحن والحكومات الشرعية (1)
يعيش المواطنون في الجنوب منذ العام 1994م وضعاً غرائبيا قلما عاشه أي شعب في الدنيا في الزمن المعاصر، وتكمن تلك الغرائبية في أن من يحكمون الجنوب يعيشون في عالمهم المتعالي المنفصل انفصالاً شبه كليٍ عما يعيشه الناس الذين يقطنون الأرض، فلا هؤلاء (الشعب) يشعرون بوجود أولائك (الحكومة) ولا الأخيرون يهمهم شيئاً مما يعانيه هؤلاءِ.
الشعب الجنوبي ومنذ 1994م يحكم من قبل فئة جاءت إليه غزواً واغتصاباً ونصبت نفسها عليه حاكمةً لا هم لها سوى بسط الهيمنة والنفوذ، ومن ثم ارتكاب كل الموبقات والفواحش المرتبطة بالحروب والغزوات (من سلب ونهب وقمع وتنكيل وتهميش واستحواذ . . . . إلخ) وباسم الله وبفتاوي تبيح لها حتى إهدار الأرواح والحيوات.
وعندما حانت لحظة المواجهة مع هذا الوضع السريالي (المضحك المبكي) وحَشَدَ الشعب الجنوبي قواه وتمكَّن من دحر غزاة 1994م مع غزاة 2015م وحرر الأرض وسلمها للشرعية اعترافاً بحقها الدستوري وأملاً في تسويةٍ سياسية تفضي إلى حصوله على حقه في تقرير مصيره، تنكر الشرعيون للجنوب المقاوم وتفرغوا لمواجهة الشعب الجنوبي وقواه الحية بدلاً من مواجهة الانقلاب والانقلابيين، لا بل لقد استدعوا الانقلابيين وسلموهم قيادة البرلمان وحولوهم إلى شركاء، وربما متحكمين في كل شيء مما تبقى في يد الشرعية من قرار، وسلموهم كل الوزارات، وراحوا يمارسون الإقصاء على المقاومين الجنوبيين ويعاقبونهم لتجرّئهم على إلحاق الهزيمة بالانقلاب والانقلابيين، واتحد (الانقلابيون والشرعيون) في رفض أي استحقاق للشعب الجنوبي المتطلع إلى غدٍ مختلف عن أزمنة الشرعيات المتهالكة والانقلابات المدمرة.
لندع كل هذا جانبا ونتساءل: ما هي الاستحقاقات للحكومة الشرعية وما هي واجباتها تجاه شعب الجنوب؟
إن كل الحكومات الشرعية تدعي أنها تسيطر على 80 % من مساحة اليمن، والمقصود بذلك محافظات الجنوب وأجزاء من محافظة مأرب التي حررها أبناؤها بدماء وأرواح خيرة رجالهم وبدعم ومساندة دول التحالف العربي وعلى رأسها الشقيقتان السعودية والإمارات، ونحن إذ نوافق هذه الحكومات على ما تقول، باعتبارها تمثل سلطة الرئيس الشرعي بموجب الدستور الذي ما يزال معمولا به حتى اللحظة، فإننا نتساءل ماذا قدمت الحكومات الشرعية المتعاقبة للشعب الجنوبي مقابل هذه السيطرة، وما هي الواجبات التي اضطلعت بها في المناطق التي تسيطر عليها؟
هل يعلم الشرعيون أن المريض في الجنوب لا يلاقي شريط أسبرين في المستشفيات الحكومية؟ وأن شوارع عدن تغرق إما في جبال النفايات المتراكمة منذ سنوات، أو في بحيرات الصرف الصحي المتدفقة في سيول تفوق أضعاف ما يصل إلى المساكن من مياه الشبكة الحكومية وإما في كليهما معاً؟ . . . وهل يعلمون أن اليوم الذي لا تنقطع فيه الكهرباء أربع أو خمس مرات عن بعض المناطق يعد يوم عيد يحتفي به السكان؟ وهل يعلمون أن صرف الراتب بعد عدة أشهر (وأحياناً سنوات) من انقطاعه صار الخبر الذي يتصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية وغدا حدثا تتباهى به وسائل الإعلام الحكومية كإنجاز لا يفوقه إلا إنجاز الهبوط على سطح المريخ واكتشاف الـ DNA ؟؟. . . . .وهل يعلمون . . وهل . . وهل . . .وهل؟؟؟؟
أظنهم يعلمون لكن هذا الأمر لا يهمهم كثيراً فلديهم الكثير من المشاجب التي يعلقون عليها فشلهم وليس من الصعب استحضار أحدها عند الحاجة وهو ابتذال يعتقدون أن لا أحد يكتشف ما فيه من سماجة وافتراء.
ملخص القضية أننا أمام حالة سريالية قلما حصلت في بلد من بلدان العالم: حكومةٌ (وبالأحرى حكومات) تدعي أنها شرعية ولا تخجل أن تتباهى بحضورها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي دون أن تنقذ مريضاً أو تنظف شارعاً أو توفر كوب ماء، وشعبٌ يرفض هذه الحكومة ليس رغبةً في الرفض لكن رفضاً لفشلها وفساد أعضائها وإصرارها على التعامل مع هذا الشعب تعامل العدو مع عدوه.
السؤال هو إلى أي مدى تعتقد هذه الحكومات أن الشعب سيستمر في الصبر على فشلها وتحمل موبقاتها والسكوت على منكراتها؟
لا أظن أن هذا الصبر سيطول وهذا التحمل سيستمر، أما هؤلاء فلديهم قدرٌ يفوق التصور من الفجاجة ليواصلوا هذا المسلك المشين الذي لا يليق إلا بمن يستظل بستارة الخداع ويتدثر بلحاف التضليل.