عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):
العراق: المعارضة بين الأمس واليوم
إستضافت إذاعة مونتي كارلو في أحد برامجها السياسية خلال تسعينات القرن الماضي ثلاثة من المعارضين العراقيين لحكومة البعث آنذاك، إضافة لرابع يمثل وجهة نظر الحكومة العراقية في قانون احتواء النظام العراقي الذي تبنته حكومة الرئيس الامريكي بيل كلينتون.
بطبيعة الحال كانت ردود الأفعال متباينة بين المتحاورين، فكان الثلاثة متفقين على ضرورة تغيير النظام وإسقاطه، لكنهم مختلفين حول الآلية التي من خلالها يتم ذلك التغيير.
الملفت للنظر أن ممثل النظام كان ناكرًا لوجود أي تمثيل للمعارضة وغير معترف بواقعها، رغم تحشيد الإعلام الغربي لها وتعامله معها كبديل مفترض بعد أن تخلو الساحة السياسية العراقية من النظام ومخلفاته الفكرية.
لقد أسهب ممثل النظام في تصوير المشهد الداخلي بصورة وردية مدعياً الحالة المثالية الناتجة عن التلاحم الجماهيري بين الشعب والنظام!!
من إستمع لذلك اللقاء خصوصا المتلهف لرؤية عراق خال من البعث ولكثرة ما سمعه من أكاذيب يسوقها النظام السابق لنفسه، تجده غير منسجم مع ما يطرح، إذ ليس في الأمر ما يثير الاستغراب والتعجب بعد أن إعتاد ابناء الشعب سماع كثير من أكاذيب الأبواق التي تمجد برأس النظام.
اللافت النظر أن هذا البعثي قد أجاب عن السؤال الأخير لمقدم البرنامج حول رأيه في ما قاله الضيوف قائلا : إن هؤلاء مجهولون حتى من قبل زوجاتهم فضلا عن بقية العراقيين!
هذا أن دل على شيء إنما يدل على تعامل النظام بأقصى درجات الإقصاء والتهميش وعدم الاعتراف بالآخ،ر وهذا ما أكده طارق عزيز في رده على سؤال من قبل أحد الصحفيين حول المعارضة العراقية : انه لا وجود لشي اسمه معارضة وأخذ يكيل التهم لرموزها!
الوضع الحالي برغم سلبياته الكثيرة لكن مقارنته بما في السابق تعد إجحافاً وقفز على الحقائق، بدليل كثرة المطالبات الرسمية والجماهيرية بضرورة إيجاد معارضة إيجابية بناءة تقوم عمل الحكومة.
من المؤاخذات على العملية السياسية التي أعقبت سقوط النظام أنها اشركت الكل في إدارة مفاصلها، وبنفس الوقت يتصرف الكل بعقلية المعارضة عدا بعض الكتل التي فضلت عدم المشاركة بناء على معطيات نابعة من تصورها بانعدام الجدوى من تلك المشاركة.
ثقافة الاستقالة هي الأخرى غابت عن المشهد السياسي مع توفر الأسباب الموجبة لها، لكن التشبث بالمنصب هو السمة الغالبة على أداء كثير من الكتل بحجة الاستحقاق الانتخابي والمكوناتي وغيره من الادعاءات التي لا تلامس هموم المواطن ولا تلبي احتياجات الشعب الذي عانى كثيرا من نقص الخدمات والبطالة وتوفير الأمن وغيرها ..
يمكن القول بأن حكومة السيد عبد المهدي هي حكومة (يتيمة )، وهذا الوصف نابع من عدم استنادها إلى كتلة برلمانية معينة، مما يعني رضوخها للمماحكات السياسية من قبل بقية الكتل خصوصا تلك التي تعتبر نفسها صاحبة الفضل في وصول عبد المهدي إلى دفة الحكم بعد أن عملت المستحيل على أبعاده عن الواجهة خلال السنوات الماضية التي أعقبت التغيير.