نورا المطيري تكتب:

«لوريات الإخوان» في السودان

يقول مثل سوداني شهير: «بكرة يجي الخريف واللّواري بـ تقيف»، حيث كان اللوري، أو سيارة النقل والشحن القديمة، في الخريف، وقبل إنشاء الطرق، تنكشف رداءتها، فتغوص في الوحل ثم تتوقف.

جاء الخريف في السودان متأخراً كثيراً.. ثلاثون عاماً مضت، قبل أن يستيقظ السودان على جماعة الإرهاب الإخوانية وقد تغلغلت في مفاصل حكم البشير، واندست في ثنايا الدولة وأحزابها وقطاعاتها، وسيطرت عليها.

خريف المجلس الانتقالي العسكري السوداني، بدا حاسماً لكشف تلك الجماعة الإرهابية التي استمرأت في جرجرة السودان نحو الهاوية السياسية والاقتصادية، منذ شكل حسن الترابي، في العام 1986، الجبهة الإسلامية القومية، وعمل على أن تخترق الجبهة أجهزة وهيئات ومؤسسات الدولة السياسية والأمنية السودانية، فما عاد الشعب السوداني البسيط، يميز بين تلك الجبهة وإخوان البنا.

وفي العام 1989 تمكن عمر حسن البشير، قائد الجبهة الإسلامية، السيطرة على السلطة في السودان، فيما عُرف باسم ثورة الإنقاذ، وقام بتغيير اسم الجبهة إلى حزب المؤتمر الوطني. وتم سجن حسن الترابي، وبعد خروجه، شكل حزب المؤتمر الشعبي، كحزب مُعارض للسلطة.

عمل شيخ الفتنة، يوسف القرضاوي، على تمويل جماعات إسلامية كثيرة في السودان، تجمع الطرق الصوفية والحركة الإسلامية والإخوان المسلمين والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة، والسلفيين وحزب التحرير وهيئة علماء السودان، وبالمال القطري، أصبح القرضاوي مرشدهم الروحي، وأصبح أردوغان خليفتهم المزعوم، وكانت الفكرة السرية تأسيس جبهة موحدة تشبه جبهة البشير، ولكن إدراج اسم «القرضاوي» ضمن قائمة الإرهاب الدولي فضحت مخططهم، حيث ظهر رئيس هيئة علماء السودان «محمد عثمان صالح»، يتحدث عن تنظيمات وجماعات إسلامية سودانية كثيرة، ترفض بشدة قرارات الانتربول في حق «القرضاوي»، وكان من ضمن من وضع توقيعه على تلك القائمة: علي جاويش، وإبراهيم الكاروري، وغيرهما..

وعلى وقع اعتقال عشرات من حملة الفكر الإخواني الإرهابي في السودان، فجر الخميس، الحادي عشر من إبريل 2019، أصاب مكتب القرضاوي والديوان الأميري والاستخبارات القطرية، حالة تخبط وارتباك شديدين وتناقلت الرسائل بين تلك الدوائر، بأنه قد جرى اعتقال البشير، و59 شخصية أخرى من ضمنهم محمد عثمان وجاويش والكاروري وغيرهم من قيادات الإخوان، التي عولت عليهم قطر، سنوات طويلة، للسيطرة على السودان.

حالة الذعر القطرية، تبعها أوامر مشددة لقناة الجزيرة، بعدم إبراز ما جرى لزبانيتهم هناك، والتركيز على تشويه صورة المجلس الانتقالي العسكري ومطالبة المعتصمين بالبقاء في الساحات، والغرض هو الضغط على المجلس الانتقالي للإفراج عن قيادات الإخوان المحتجزين، الذين خططوا طويلاً، لكن البساط سُحب من تحت أقدامهم في اللحظة الأخيرة، فجاء الخريف عاصفاً باللوريات القطرية، التي غاصت في الوحل، وعلى عجل، أرسلت الدوحة وزير خارجيتها محمد عبدالرحمن آل ثاني، لزيارة الخرطوم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فتم طرده منها شرّ طردة.

الخريف الصارم، أدرك المؤامرة القطرية مبكراً، وبدأت عمليات البحث والتمشيط لعملاء قطر وإلقاء القبض عليهم لمحاسبتهم، ولكن الإخوان الإرهابيين، كعادتهم، يحاولون الاختباء أو التمويه أو إعلان أنهم تركوا الجماعة منذ زمن، ليحافظوا على بقائهم ووجودهم، وتسعى قطر، ومن خلفها تركيا، إلى تأمين نقل بعضهم أو مساعدة البعض الآخر على الاختباء.

السعودية والإمارات، ومعهما مصر، ليس لديها ما لدى قطر من نوايا تجاه السودان الشقيق، فالدعم المادي والإنساني واللوجستي الذي يقدم إلى السودان، لكل السودان، لشعبها ومجلسها وحكومتها، وليس لفئة على حساب أخرى، سيُمكّن السودان العزيز، كدولة عربية شقيقة، وبسواعد المخلصين من رجالاتها، من تجاوز المرحلة، والإعداد للمرحلة المقبلة، وبناء سودان الغد المشرق.

*البيان