د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحروب دمار الامم والشعوب

اينما حلت الحروب في أي بلد من ارجاء الأرض لاتجلب معها سوى الدمار والخراب وسفك الدماء والآلام والدموع ومعها يتوقف العمران وعجلة التنمية ويعم الفساد والكساد وتنتشر المجاعات والأمراض والاوبئة ويشح الغذاء والدواء وتختفي السلع الأساسية ويعم الغلاء..ومهما كانت قوة الدولة التي تشن حروبها العسكرية ومهما كان جبروتها ومتانة اقتصادها فإنه يتداعى ويتأثر بشن الحروب.. هذا بالنسبة للدول الكبرى والقوية اقتصاديا وعسكريا فما بالك بالدول المتخلفة والضعيفة اقتصاديا ..!!
ولنا في التاريخ دروس وعبر كثيرة.. ومن يقرأ التاريخ يجد أن الاقتصاد هو سبب حروب كل بلد ناهيك عن الشعارات الطنانة الرنانة و الكاذبة التي تختفي تحتها مثل : تحقيق العدل ورفع الظلم واستعادة الحقوق والسيادة والوحدة الخ..
وبالرجوع عدة قرون سابقة نجد أن الحروب التاريخية التي شنت بين الدول القديمة سببها هو حب السيطرة وتوسيع النفوذ والصراع على المصالح الاقتصادية..
فحرب الحبشة على اليمن السعيد التي تبعها غزو عسكري شامل على السواحل اليمنية في عصر آخر ملوك الدولة الحميرية ذونواس سببها الأساسي هو ايعاز روما التي كانت تتحكم في اقتصاد الدول القديمة للأحباش بغزو اليمن لتدميرها واحتلالها بغرض السيطرة على تجارة العالم القديم في حين كانت اليمن تتحكم في نقل التجارة من آسيا الى اوروبا مركز العالم القديم وتتحكم في شبكة الممرات المائية البحرية والطرق البرية..
كانت اليمن تسيطر على تجارة الشرق وتحتكر نقلها الى الغرب المسيحي بكامله حيث لم تكن قناة السويس قد حفرت من قبل.. ورأس الرجاء الصالح لم يكتشف بعد.. وكان من الصعب نقل التجارة عبر البحر الأحمر الذي كان يعرف في ذلك الزمان ببحر القلزم!!
وازدهرت اليمن حضاريا ونمت اقتصاديا بسبب سيطرتها على التجارة العالمية بين الشرق والغرب بحكم موقعها الجغرافي المميز.. فجاءت الحرب الحبشية بالوكالة عن روما المسيحية ضد اليمن القديم واستمر الاحتلال الحبشي حوالي 75 عاما..حاول اليمن التخلص من ذلك الاحتلال الذي تمدد حتى غزت أفيال أبرهة مكة المكرمة ومحاولة تدمير بيت الله العتيق فارتد ذلك على الحبشة وأرسل الله لهم الطير الأبابيل و فتكت بجيوشهم ودمرتها وقال تعالى:
(( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)سورة الفيل )
واضطر الحميريون للاستنجاد بدولة الروم وخذلوها لأنهم هم اساس البلاء ومن اوعز للأحباش بالغزو.. ومن ناحية أخرى هم والحبشه مسيحيون على دين واحد..
فاضطر سيف بن ذي يزن الأمير الحميري الشاب الى الذهاب الى كسرى امبراطور الفرس والقصة معروفة فأنجده بحوالي 800 محارب من السجناء والمجرمين وانضمت اليهم قبائل اليمن وقاتلوا الأحباش حتى أخرجوهم وتوج سيف ملكا على اليمن.. وزارته وهنأ ته وفود العرب من الجزيرة العربية وبشر عبد المطلب بالرسول الكريم سيدنا محمد وأوصى بحفظه من كيد اليهود !!
ولكن قوى التآمر اغتالت سيف بن ذي يزن.. وبمقلته عين كسرى عاملا مواليا له من مملكته وبقي الحال كذلك حتى دخلت اليمن في الإسلام ومعهم باذان آخر عمال كسرى في اليمن..!
وقد انتكست اليمن حضاريا في فترات سابقة لأنهم كفروا بأنعم الله .. ومن ذلك ولحماقتهم بأن دعوا على أنفسهم " فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)سبأ)

وتذكر الكتب التاريخية ان المسافر من اليمن الى القدس لا ينقطع زاده في السفر لكثرة القرى الظاهره في ذلك الزمن القديم من مأرب حتى القدس.. وبدعوتهم الحمقاء وكفرهم أصبحت القرى الخضراء صحارى قاحلة متباعدة.. ثم انهار عليهم السد في مأرب وتمزقوا وتفرقوا أيدي سبأ كما يقال في الأمثال .. وتتابعت الانهيارات والتصدعات الحضارية بعد سيل العرم وخراب السد ومن ثم جاء الاحتلال الحبشي واستبدل لاحقا باحتلال فارسي هذا ولنا ان نعتبر من التاريخ.. واليوم لنا شواهد تاريخية حاضرة امام اعيننا وهي تتمثل في دولتين هما:
1- امريكا
2- الصين
فأمريكا الدولة العظمى ذات الاقتصاد الجبار والالة العسكرية القوية ان لم تكن الاقوى في العالم اقتصاديا وعسكريا انهكتها الحروب التي شنتها ولازالت تشنها حتى اليوم في مختلف أنحاء العالم مثل: فيتنام وافغانستان والعراق وسوريا بالاضافة الي تدخلاتها المستمرة في دول العالم الثالث وخاصة امريكا اللاتينية وكوبا.
امريكا دولة حرب:
وفي دراسة نشرها موقع "كاونتر بانش" كتبها صحفي أمريكي يدعى بريت ويلكينز جاء فيها:
وصف الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر بلاده بأنها " الدولة الأكثر نزوعا إلى الحرب في تاريخ العالم"
وقال كارتر ان الرئيس "ترامب" عبر عن قلقه ازاء تنامي اقتصاد الصين قائلا له: الصين أخذت تتقدم علينا.."!! ورد عليه كارتر بالقول: "ان نجاح الصين هو نتيجة لسياستها الخارجية السلمية، وقال لترامب: هل تعرف كم مرة خاضت الصين حربا ضد أي بلد؟
إنها لم تخض أي حرب، بينما كنا نحن نواصل حروبنا"!!
قال كارتر: ان الولايات المتحدة لم تعرف السلام سوى 16 سنة فقط خلال تاريخها كدولة على مدى 242 سنه وقال: ان الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر نزوعا الى الحرب في تاريخ العالم، وأضاف: كم كيلومتر لدينا من خطوط السكك الحديدية للقطارات فائقة السرعة؟ " الصين لديها حوالي 29 الف كيلومتر.. في حين أن الولايات المتحدة أهدرت 3 تريليون دولار على الإنفاق العسكري"
وقال كارتر: تورطت امريكا في الحروب: الكورية والفيتنامية والافغانيه والعراق وأمريكا اللاتينية وغيرها – اما الصين لم تهدر سنتا واحدا على أي حرب لذا هم متفوقون علينا!!
وقد نشر معهد "بيو" للأبحاث (مقره واشنطن) دراسة تم استطلاع آراء الناس في ثلاثين بلدا: اعتبروا ان قوة ونفوذ الولايات المتحدة هما "تهديد رئيسي" حيث غزت عشرات البلدان ودعمت كل ديكتاتورية يمينيه في العالم منذ نهاية الحرب العالميه الثانيه، كما أنها اسقطت او حاولت اسقاط عشرات حكومات العالم منذ عام 1949م!!
وختاما لا مجال للمقارنة أنما أردت فقط إظهار دمار الأمم والشعوب بسبب الحروب بالنسبة للدول الكبرى فما بالك بالدول الضعيفة مثل اليمن !ّ!؟
د. علوي عمر بن فريد