حسن عبدالوارث يكتب:
الحرب.. والكلاب
كلما هممتُ بالكتابة عن مشهد الحرب في اليمن ، أشعر بقرف شديد حدَّ الغثيان الطافح، فأُفلتُ القلم من يدي وأُطلِق اللعنات من فمي، وأعود للبحث عن موضوع للكتابة خارج نطاق هذه الدائرة النتنة .
وقد استوى -في هذا المشهد- جميع أطرافه، على القدر ذاته من النتانة: شرعيون وانقلابيون وتحالف وايران وأطراف أخرى غيرها قُدَّتْ من الداخل أو قدمت من الخارج .
وراحت النخب -أو معظمها على الأقل- تلهث كالكلاب وراء هذا الطرف أو ذاك، لعلّها تحظى بقدر من الفتات والعظام، أما اللحم فلم تُبْقِ هذه الأطراف المسعورة منه شيئاً لتابع جائع أو عميل ذليل، أكان بدرجة سيادية عليا أو بدرجة وظيفية دنيا، وحتى من لم يكن له عمل من رعاع القوم صارت هذه الحرب مهنته ومصدر لقمته !
انك تجول ببصرك وبصيرتك في أرجاء هذا المشهد فلا ترى غير ثلاثة أصناف من البشر صنعتهم هذه الحرب أو صُنِعت لهم هذه الحرب :
* الذئاب الذين راحوا ينهشون البلاد وأهلها. وهم اما من أهلها واما من أشقائها وأصدقائها المزيفين بالأمس وأعدائها الحقيقيين دائماً وأبداً. يا رجل حتى سلطنة قابوس كشّرت عن أنيابها !
*الكلاب الذين -كما أسلفت- راحوا يرتزقون من موائد وزبالات هذه الحرب، ومهما كبرت لقمتهم فيها تظل من سقط المتاع ونتن الفتات ومن دماء ودموع ضحاياها ومن موارد البلد وليس من خزائن الآخرين.
* أما الصنف الثالث فهو: نحن، الضحايا من سواد هذا الشعب الذي لم يكن يوماً في موقع الهجوم ولا في موقع الدفاع ولا حتى أستطاع الوقوف في موقع المتفرج بعد أن راح يُدهس تحت الأقدام ويُهرس تحت الأضراس ويُدفن تحت الرماد بلا فاتحة ولا ياسين.
لقد بدا واضحاً للعيان -وحتى للعميان- أن أمد هذه الحرب سيطول إلى ما شاء الله أو الشيطان. وقد عززت الأحداث المتلاحقة يوماً اثر يوم صواب هذا الاعتقاد الذي ماانفكّ يترسخ في الوعي والوجدان والواقع. بكلمة واحدة واضحة: إن هذه الحرب وُجدت لتبقى حتى يتفتت آخر رأس وآخر حجر وآخر أمل في هذا البلد .
...
ستنقطع عن مسامعك كل موسيقى الدنيا، وتظل تسمع النباح والعواء والزئير، مُدوزناً على ايقاعات السلم الموسيقي من كل مقام، متنوعاً من راست وسيكا ونهوند وحجاز.
إن الغوغاء الكلبية الحربية هي مايسترو هذا الزمان وهذا اليمان !