حسن عبدالوارث يكتب:
عليكم اللعنة!
مؤخراً، وفي الشهور القليلة الماضية، رحل عن هذه الدنيا عدد غير قليل من الأصدقاء والزملاء والرفاق، بعضهم اثر مرض عضال استحال احتواؤه بسبب ضيق ذات اليد أو انسداد ممر الخروج إلى بلاد الله الحقيقية جراء تبعات هذه الحرب الملعونة.. وبعضهم قضى بعد معاناة مريرة مع موبقات هذا الزمن الحقير الذي أحال الميسور معسورا والمجبور مكسورا بقدر احالته الشلافيت والهلافيت تماسيح وخراتيت.. ورحل الآخرون فجأة وبدون سابق انذار أو حتى تلميح بعد أن أيقنوا أن المقبرة خير عزاء عن وطن صار في خبر كان.
وكلما جاءني نبأ رحيل أحدهم لا أجد بعد الدعاء له بالرحمة والمغفرة سوى كلمة "أرتاح".. واليمن هو البلد الوحيد على وجه الأرض الذي تسمع فيه هذه الكلمة تعليقاً على وفاة أحدهم!
حقاً، كم أحسد من يموت في هذه الأيام، نافذاً بجلده من بؤرة الجحيم المقيم إلى دوحة النعيم الخالد. فالعاقل وحده يدرك تماماً أن مأساة اليمن ما تزال في مرحلة جهنم وهي أولى الدرك الأسفل من الجحيم، أي أنه ما تزال ثمة درجات أخرى أشد عذاباً وأسوأ مقاماً وأفدح مصاباً، فثمة لظى وسقر والحطمة والسعير وغيرها حتى تصل إلى الهاوية، وما أدراك ما الهاوية، وهي الدرجة الأخيرة من الدرك الأسفل التي سنصلها قريباً باذن الله وبفضل هؤلاء وأولئك الأوباش الأنجاس الذين ما عرفوا الله ولا اللات ولا طاولهم جن الأشتوت الأشتات.
نعم، نحن مقبلون على هذه الدرجات كلها، فالحرب القائمة ما تزال قادمة، وما تزال قرونها متحفزة ووثابة لما هو أفدح من جميع صور المأساة الماثلة حتى اليوم. وقد تنافس في مضمارها أمراء الحرب وأساطين المال في الداخل والخارج، واتفق على مائدتها المتقاتلون ضد بعضهم في رابطة وئام وانسجام شديدة العُرى، فهي ليست سوى طلقة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف وصُرّة في الجيب.
وفي المشهد الآخر من الجنازة: ثمة المرضى والجرحى والجوعى، فالويل لك كل الويل إذا أصابك المرض أو سقطت جريحاً أو نهشك الجوع، فلا تنتظر حينها سوى ما هو أسوأ من الموت ألف ألف مرة حتى أنك لتغدو تتمنى الموت في كل لحظة، ولا يأتيك، بل تزداد معاناتك شراسة وكأنَّ الموت يسخر منك ولا يعدك من المؤهلين لنيله.. فالحائز على نعمة الموت في هذا البلد كأحد المبشرين بالجنة!
لقد ابتلى الله هذا البلد بآفات سياسية وقبلية وطائفية وآيديولوجية لا ينتمي أهلها إلى العصر ولا إلى الانسانية.. فلا رابط لهم بالفكر السياسي من أية جهة نبت وإلى أية جهة انحدر.. ولا بالقبيلة بأي شكل ومفهوم مهما بلغ من التهافت والتشظي والانحلال فهم أسوأ من ذلك بكثير.. ولا بالدين، أيّ دين، فهؤلاء لا دين لهم بالمطلق. ولا هم يختلفون البتة في فكرة أو على عقيدة، فلا هذه معهم أو تلك لهم.. وإنما هم على الدوام يختلفون على حصة الشدق من اللحمة والمرق.
فأطلقوا اللعنات في وجوههم -كبيرهم وصغيرهم- وعليَّ وزرها في هذا الشهر الفضيل.