عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):
العراق: الذاكرة الشعبانية من الإنتفاضة الى الفتوى
أثبتت الأحداث التي شهدها الوضع العراقي طيلة العقود الماضية، إن الحلول تأتي من الأزقة الضيقة في النجف الاشرف.
إن الحديث عن شعبان من خلال مراقبة التداعيات السياسية التي شهدها هذا الشهر الكريم، تؤكد بما لا يقبل الشك إن معالجات المؤسسة الرسمية لمشاكل البلد تبقى غير مكتملة دون توأمتها بالجانب العقائدي الذي يعتمد المرجعية الدينية موجها ومرشدا ومشخصا بوعي للمصلحة العليا للبلد.
تحتفظ الذاكرة العراقية بأحداث شعبانية كثيرة، لعل أبرزها حدثي الإنتفاضة التي إندلعت عام1991 بعد طرد قوات صدام حسين من الكويت، والفتوى التأريخية للمرجع الاعلى السيد السيستاني التي أطلقها عقب دخول داعش للمناطق الغربية.
من المؤكد أن تكون النتائج مختلفة لكلا الحدثين، لكن دوافعهما واحدة ويمكن إختصارها برفض الشعب العراقي لكل اشكال الظلم والعبودية، وإن البعد العقائدي الروحي كان حاضرا في المنعطفات التاريخية.
لايمكن مقارنة النتائج التي أعقبت الفتوى بما حصل بعد الإنتفاضة الشعبانية برغم حجم التضحيات التي قدمها ابناء الشعب العراقي منذ منتصف القرن الماضي وإلى هذا اليوم.
لقد عاش العراقيون خلال الإنتفاضة وبعدها ظروفاً بلغت حداً لا يمكن تصوره جراء بطش السلطة آنذاك بالناس واخذهم على التهمة وعمليات القتل الجماعي التي سخرت له ترسانتها العسكرية التي أحجمت عن مواجهة قوات التحالف لكنها أوغلت في دماء أبناء الشعب الذي كان يعاني من تبعات الحصار الإقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق يضاف اليه التعتيم الإعلامي المفروض من قبل السلطة على مجريات الاحداث في الداخل يرافقها سياسة تكميم الأفواه وغيره من الإجراءات التي كان النظام يتوقع أنها ستحد من الرفض الشعبي له.
تلك الأساليب وغيرها كان لها الأثر السلبي على النسيج الاجتماعي الذي عانى من إنهيار المنظومة القيمية التي يعتبره النظام نجاحاً له كون بعضها إنعكاساً لسياسته في إحداث هوةٍ بين المجتمع والمؤسسة الدينية التي أُنهكت بعد رحيل زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم وبفعل المتغيرات السياسية التي شهدها البلد والذي كان وصول زمرة البعث الى السلطة يمثل القشة التي قصمت ظهر البعير.
الملفت للنظر أن نفس الشريحة الإجتماعية التي كانت حطباً لسياسات البعث أبان فترة حكمه برهنت على وفاءها للمؤسسة للمؤسسة الدينية التي شهدت إنتعاشاً فكرياً وعبرت عن رؤيتها الحركية بعد تحرر العراق من كابوس البعث والتي كانت لزعامتها المتمثلة بالمرجع الديني الاعلى السيد السيستاني لمساته الواضحة في بناء النظام السياسي الذي يعتمد على مشاركة الشعب في صنع القرار الذي يستند على الدستور الذي حدد شكل نظام الحكم.
إن تفاعل الشعب مع الفتوى التاريخية يؤكد بما لا يقبل الشك إن المرجعية هي الأقدر على تشخيص مصلحة البلد وانه متى ما كان البعد العقائدي الوطني حاضراً في المزاج الشعبي سيبقى العراق شامخاً سيداً لا تلوثه أدران السياسة التي تعمل لإرضاء الأطراف المتصارعة وإن كان ثمنه تضحيات لا يستهان بها لكنها ستحرج بعض الأقزام الذين شُبه لهم انهم برصيدهم الإنتخابي يمكنهم مصادرة تفكير المجتمع ويطرحوا أنفسهم كمنقذ للوطن بعيداً عن المرجعية ورؤيتها الثاقبة.