د. محمد عاكف يكتب:

طور جديد ملتهب في مواجهة إيران

في الثاني من مايو الجاري دخلت العقوبات الأمريكية على إيران في طور جديد هو الأخطر على أمن النظام الحاكم في طهران. فبعد أيام معدودات من إعلان واشنطن اعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية في خطوة تصعيدية متميزة ضد هذا النظام، عادت لتعلن، تنفيذاً لاستراتيجية التصفير لمبيعاته النفطية، إيقاف العمل بالإعفاءات التي سبق أن منحتها لمدة ستة أشهر لعدد من الدول فيما يخص استيراد هذا النفط.

طهران في أشد حالات القلق والتوجس مما تحمله الأيام القادمة من مخاطر على أمن النظام بما يتجاوز قدراته على مواجهتها على المستويين الداخلي والخارجي لشح الخيارات المتوافرة لديه وضعف قدراته أمام الضغوطات الدولية الشديدة على الاحتفاظ ببرامجه العسكرية الطموحة التي تتجاوز بكثير مستوى ما له من حقوق لغرض الدفاع عن النفس.

فقد بدت الإدارة الإيرانية في الآونة الأخيرة مرتبكة بشكل واضح رغم محاولاتها لأن تبدو عكس ذلك، ففي الوقت الذي يصرح المرشد الأعلى خامنئي واصفاً قرار واشنطن الأخير بأنه «قرار عدائي لن يمر دون رد» ويهدد الرئيس روحاني وبعض القادة العسكريين بعرقلة مرور شحنات النفط في مضيق هرمز يصرح وزير الخارجية ظريف لوكالة رويترز قائلاً «السفن يمكن أن تمر في مضيق هرمز» ويؤكد في الوقت نفسه رغبة بلاده في عدم التصعيد مع واشنطن، يعود بعد ذلك للاصطفاف مع مواقف رؤسائه التصعيدية مهدداً بأن أحد خيارات طهران هو الانسحاب من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.

من الصعب جداً على طهران أن تذهب إلى أي من الخيارين اللذين وردا في تصريحات المسؤولين فذلك بمثابة الهروب إلى الأمام والدخول في ممرات مغلقة المنافذ، فهي غير قادرة من الناحية العسكرية على إغلاق مضيق هرمز ناهيك عن تداعيات ذلك سياسياً لغير صالحها فالمضيق ممر مائي دولي. أما خيار الانسحاب من اتفاقية الحد من الأسلحة النووية والتخلي عن التزامها ببنودها فهو لا يعني الانسحاب من اتفاقية 5+1 النووية فحسب بل تحدي الأسرة الدولية والذهاب مباشرة إلى تصنيع سلاح نووي.

إلا أن من المحتمل ألا يكون خيار طهران على المدى القريب هذا أو ذاك، فهي على وعي بأن استهداف نظامها السياسي ليس هدفاً استراتيجياً أمريكياً يلتزم به الحزبان اللذان يتناوبان على الحكم في واشنطن فذلك ليس في أجندة أي منهما كما كان الحال مع العراق، وهي من هذا المنظور تراهن على التكيف مع الوضع الصعب وامتصاص مراراته حتى نوفمبر 2020 وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية مراهنة على رحيل الرئيس ترامب ومجيء رئيس من الحزب الديمقراطي قد يعود للالتزام بالاتفاقية النووية التي أنجزتها إدارة الرئيس أوباما.

وخلافاً لذلك سيكون عليها إعادة النظر باستراتيجية الخروج من الأزمة إما بالرضوخ للضغوطات الأمريكية أو الهروب إلى الأمام والتصعيد في التحدي. وسواء كان الخيار هذا أو ذاك فما ستتمخض عنه هذه الأزمة سيكون له تداعيات كبيرة على عموم التوازنات في الشرق الأوسط.

إيران تفتقر إلى حلفاء أقوياء، فمع ما يبدو إعلامياً أنها على علاقة وثيقة مع روسيا إلا أنها في الوقت نفسه في خلافات شديدة معها خاصة في المسرح الميداني السوري. صحيح أن أزمة إيران فرصة لروسيا لمناكفة الولايات المتحدة إلا أنها تقارب ذلك بحذر فهي غير قادرة خارج الأطر الدبلوماسية على مساعدة إيران في التخفيف من مخاطر العقوبات الأمريكية.

واشنطن كانت ولا تزال ممسكة بمعظم خيوط لعبة المساجلات الطويلة مع طهران منذ العام 1979، إذ هي من تصنع المبادرات التي توجه مساراتها بالشكل الذي تريده وفي الزمن الذي ترتئيه وبالتالي فهي تضمن بل تحتكر فرص النجاح فيها على العكس من طهران التي ليس أمامها سوى صياغة ردود الأفعال بما يجنبها الكثير من الخسائر.

إيران ليس أمامها فرصة حقيقية للخروج من هذه الأزمة دون خسائر فهي ليست في أفضل حالاتها، فعلى المستوى الإقليمي تحيق بها عزلة شديدة حيث تصطدم سياساتها التوسعية بمصالح دول المنطقة الرافضة لذلك لأنها المستهدفة بهذه السياسات وهي دول من الصعب الاستهانة بقوتها، أما على المستوى المحلي فهناك تزايد في عزلة النظام الحاكم عن شعبه مع التراجع الكبير في مستوى الحالة المعيشية وزيادة معدلات التضخم وتعاظم مستويات الفقر الذي أصبح يهدد أمن النظام.

كاتب عراقي