عبده النقيب يكتب:
الجنوب على عتبة المجد
على صخور الضالع تتكسر نصال الكراهية والوباء المزمن.. أحلامكم المريضة تنضب.. وارضكم البور تتصحر وتجدب. وعلى هامات الشوامخ تهاوى الضالين عن الحق نتفا واشلاء.. للجاهلين الأغبياء لا نسوق العذر ولا الشفاعة.. هنا الجنوب بركانا فتح لكم فاهه وأذرعه وقاعه.. يناديكم هلموا يا سائرون الى النهاية.. جمع التاريخ قرونكم الإثنا عشر حطبا وموقدا للإمامة والمجاعة. هنا البداية.. هنا النهاية.. يا قادمون من كهوف الحقد, ياجالبون العار والخزي والوضاعة. هنا الضالع ترحب بكم يا جماعة.. أردتموها صيحة مدوية فكانت عواء موتكم الزؤام وخسرت البضاعة. اليوم يلفظ الكهنوت شهقته الأخيرة.. الويل ثم الويل لكم اليوم وحتى قيام الساعة..
لا يكفي اليوم ان نردد أناشيد النصر والفخر عن ملحمة الجنوب في الضالع بل اننا مدعون بشكل ملح الى قراءة ما تيسر من دروس هذا النصر.
لقد كشفت المعركة لنا اليوم أهداف وأطراف المؤامرة ضد الجنوب بوضوح تام حيث التقت الحكومة الشرعية المتمثلة في المراكز المتنفذة لقبائل الهضبة اليمنية التي تلبس جلباب حزب الإصلاح بعد ان حشرت الرئيس الجنوبي في القفص انتظارا للحظة اعلان نهايته. لقد وضعوا لهذه النهاية لمساتها الأخيرة في تعيين رئيس وزراء جديد موال لهم وتقديم كل التسهيلات له لإدارة عدن وفتحتها امام ملايين اليمنيين وكذلك في عقد دورة مجلس النواب باي طريقة وكيفما كانت من اجل التشريع لخطوات ما بعد مرحلة الرئيس هادي. وكشفت المعركة أيضا وجود توافق كل قوى الهضبة اليمنية المتواجدون في صنعاء وفي مارب حول حسم المعركة جنوبيا وإعادة تقاسم السلطة فيما بينها بعد ان تمكنت من حسم المعركة في الشمال لصالحها والقضاء على ثورة 2011م الشافعية.
رافق توافق هذه القوى اليمنية تفاهمات مع دول التحالف والقوى الدولية حول ترتيبات ما بعد الحرب والتي تهدف الى تمكين القوى الاقليمية والدولية من ثروات الجنوب وضمان هيمنة الشركات الاحتكارية على الاقتصاد اليمني وهو الهدف الرئيس من المعارك التي تدور رحاها اليوم دون الخوض في هذه التفاصيل التي لا يتسع لها الحيز هنا.
عملت مراكز القوى القبلية في الهضبة على التحضير لمعركة إعادة السيطرة على الجنوب من خلال بناء قوة عسكرية كبيرة في مارب والاحتفاظ بالكثير من الالوية في حضرموت وشبوه وفي عدن ناهيك عن ادخال اعداد هائلة من المقاتلين المدربين الى عدن عبر موجات النزوح الإنساني.
أيضا عمل التحالف العربي على منع الجنوبيين من تمكين أنفسهم من ارضهم وفرض قوى الشرعية بعرض تعطيل المؤسسات الجنوبية ووقف إعادة بنائها وتفعيلها وتفكيك المجتمع الجنوبي عبر افقاره ونشر الفوضى حتى يسهل تركيع حراكه السياسي وفرض تسوية ما بعد الحرب.
تجريد الجنوب من سلاحه الأمضى والمتمثل في الحراك الشعبي الجنوبي عبر تشكيل المجلس الانتقالي ووضع الاصفاد على يديه. (الانتفاضة ضد رئيس الوزراء السابق والسكوت على رئيس الوزراء الحالي رغم انه الأخطر على الجنوب ومنع الانتقالي من التحرك جنوبا في يناير وفي 2018 والمراوحة عند الشعارات دون فعل أمثلة لا تقبل الجدل على وضعية المجلس الغير مرضية).
بعد ان تم تجميد المعارك في مختلف الجبهات حشد الحوثيين بمشاركة فلول الشرعية في مارب قواتهم لاجتياح الجنوب عبر الضالع. رغم ان عملية الوصول الى قاعدة العند ومن ثم الالتحام بقوات الشرعية في عدن أقرب وأسهل عبر منطقة كرش لكنهم اختاروا الضالع لمعرفتهم بوجود اعداد هائلة من المقاتلين والتشكيلات العسكرية المدربة ولرمزيتها المهمة وكذلك لإجبارهم على سحب قواتهم من عدن للمشاركة في معركة الضالع. تم التلويح بفتح جبهات في البيضاء باتجاه يافع وفي مكيراس بغرض تشتيت القوى والانفراد بالضالع.
اثبتت الوقائع ان العديد من الالوية الجنوبية التي تقاتل تحت شعار الدين في جنوب السعودية او في الساحل الغربي تتبع ولي الامر خارج حدود اليمن ولم تتحرك للمشاركة في معركة الضالع ولم تصعد القتال في الجبهات المتواجدة فيها من اجل تخفيف الضغوط على الضالع على الأقل.
هكذا خططت القوى التي اشرت اليها انفا بعد ان يتم جر معظم التشكيلات الجنوبية القوية الى معركة الضالع وكسر اراداتها ستتحرك الالوية العسكرية في عدن وشبوه ومارب وحضرموت ومعها الاعداد الهائلة من الخلايا النائمة في عدن لفرض الامر الواقع في كل الجنوب عسكريا بعد ان تم استكمال الترتيبات السياسية.
كان لاستبسال المقاتلين في الضالع أهمية حاسمة في اسقاط المؤامرة ساعد في ذلك وجود خلافات سعودية اماراتية معروفة أساسها حول تقاسم النفوذ في الجنوب والمنطقة الساحلية اليمنية والجزر وانعكاسا للتنافس الأمريكي البريطاني على المنطقة فكان النصر المبين للضالع والجنوب.. انتصرنا في هذه الجولة لكننا لم ننتصر في المعركة وهو امر يدعونا الى إعادة النظر في ترتيب اوراقنا واولوياتنا دون ابطاء.
وقبل ان نتطرق لما نراه ضروريا علينا فعله لابد ان نشير الى ملامح المشهد الجنوبي اثناء معركة الضالع.
1- رغم ان المعركة مصيرية للجنوب ومستقبله ظهرت الجنوب أطرافا متباعدة فحضرموت وشبوه وعدن وابين لم تدخل المعركة سوآءا من حيث التفاعل مع مايجري في الضالع عبر ارسال المقاتلين وكذا عبر فتح الجبهات لتشتيت قوى الأعداء وتخفيف الضغط على الضالع واقتصر ذلك على المبادرات الفردية سوءا بقدوم مقاتلين جنوبيين من مختلف المحافظات او من المناطق المجاورة للضالع لكن ذلك لم يرتق الى حجم التحدي والواجب الجنوبي المطلوب.
2- غياب القيادة السياسية الجنوبية الموحدة التي تدير المعركة سياسيا واعلاميا وجماهيريا.. وهو السبب الذي أدى الى عدم تحريك الشارع الجنوبي وحراكه السياسي للتفاعل والحشد لدعم معركة الضالع رافقه غياب إعلامي خطير الا من مشاركات فردية للنشطاء الجنوبيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى الجنوب في الداخل والخارج والتي لعبت دورا لا يستهان به في المعركة.
3- كان للتوافق بين مختلف التشكيلات العسكرية في الضالع دورا حاسما في توحيد الجهد العسكري وادارته باحتراف، واثبت ان الخلافات الجنوبية مفتعلة ولكنها خطيرة.
لابد من التأكيد على مسألة مهمة لمن يردد او يبيع الوهم او يظن ان الجنوب يسيطر عليه ابناءه او ان المعركة قد حسمت او ان الأعداء سيتوقفون عن المحاولة لإعادة سيطرتهم على الجنوب مع التأكيد على ان من يدير الحرب في اليمن سياسيا هي مراكز القوى في الهضبة التي أعادت ترتيب اوراقها وانها الاقدر حتى الان على التواصل والتحرك السياسي إقليميا ودوليا بما يمكنها من اقصاء الجنوبيين سياسيا وقد فعلوا حتى اللحظة ويبقى لديهم مهمة اعادة الانتشار العسكري في الجنوب لتبدأ التسوية السياسية وفقا لمعطيات المعركة في الميدان بعد أن حسمت المعركة السياسية والعسكرية في الشمال.. اما لماذا المجتمعين الاقليمي والدولي يفضلان التعاطي معهم فبالتأكيد لان الجنوبيين لديهم تطلعات لإقامة دولة تحافظ عل سيادة بلدهم وثرواتها بعيدا عن النهب واجندة الشركات العابرة للقارات ولهذا فدول التحالف ومعها الاجندة الدولية سعت لتمزيق اليمن شماله بجنوبه لإعادة صياغته كدولة او دويلات هشة تمكن الشركات من ثروات اليمن والسيطرة على اقتصاده والقضاء على استقلاله السياسي.
وينتصب الحل واضحا لدينا إذا اردنا الحديث عن دولة جنوبية نحافظ فيها على استقلالنا وكرامتنا ونسخر ثرواتنا ومواردنا وموقعنا لصالح التنمية للخروج من وهدة الفقر والتخلف فليس امامنا سوى اللجوء للسلاح الذي يستعصي كسره والمتمثل في الانتفاضة الجماهيرية الشاملة ولنا في نموذج تونس ومصر والجزائر والسودان عبره حين عجزت القوى الإقليمية والدولية في حماية عملائها في تلك البلدان.
تشكيل قيادة عسكرية موحدة ومستقلة للمقاومة الجنوبية والتشكيلات المسلحة المختلفة كجيش عسكري جنوبي يخوض المعركة في أي وقت وفي أي مكان وفقا للأجندة الجنوبية مع الاخذ بعين الاعتبار ان التحالف الإقليمي والدولي المزعوم سيضطر للتعاطي مع الامر الواقع ولن يقدر على الوقوف بوجه المد الشعبي الجنوبي وحينها سيكون الجنوب قوة تستطيع نسج تحالفات إقليمية ودولية لا تفرط بمصالح الجنوب (الحوثيين نموذجا).
تشكيل مجلس تنسيق لمختلف القوى السياسية الجنوبية مستقلا وبعيدا عن الوصاية يستوعب مختلف اشكال الطيف الجنوبي ويتولى تحريك الشارع وفقا لأجندة جنوبية خالصة يدير التحالفات السياسية الاقليمية والدولية.
تشكيل لجان شعبية توحد الجهود المختلفة في كل المناطق الجنوبية تديرها وتسيطر على مواردها وتجهض أي محاولة اقليمية او دولية للسيطرة على المد الجماهيري فكلما كان الحراك شعبيا وعريضا كلما تصعبت عملية السيطرة عليه.
التحرك باتجاه فرض الامر الواقع تدريجيا وتصفية أي تواجد لبقايا النظام السابق ووضع كافة الإجراءات لحماية الجنوب من الاجتياح الناعم عبر موجات النزوح.
للنصر العسكري دائما استحقاقات سياسية ولكن عند غياب القيادة السياسية الفاعلة التي تستطيع توظيف هذا النصر فان القوى المعادية المتربصة لن تتوانى في احتوائه كما فعلت في 2015 وبالتالي تذهب تضحيات الجنوبيين ادراج الرياح. لنا الخيار اليوم اما نموت استسلاما وركوعا خلف الوهم والاستجداء والتبريرات واما ننتزع حقنا طالما وان كل مقومات النصر متوفرة واهمها تفكك دولة الاحتلال اليمني البغيض.
18 مايو 2019