عبده النقيب يكتب لـ(اليوم الثامن):
التحالف العربي والأفاق المسدودة أمامه في اليمن
ما من شك أن المراقب للحملة العسكرية التي يشنها التحالف العربي على اليمن يدرك أنها قد فشلت في تحقيق أي من الأهداف المعلنة عنها المتمثلة بإعادة ما تسميها بالسلطة الشرعية والقضاء على الانقلاب الذي يشكله التحالف بين انصار الله والمؤتمر الشعبي العام وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
لم يدر في خلد أي من مؤسسات صنع القرار في كل من الرياض وأبوظبي أن المعركة سيطول أمدها وان الخروج منها سيصبح حلما لهم خاصة وان الأمر لم يعد يقتصر على ترتيب شئون الوضع الداخلي في اليمن فقط بل قد اصبح الأمر شأن دولي سيقرر مستقبلا مصير المنطقة باسرها, فهناك اطراف دولية كثيرة ترصد بدقة أخطاء وجرائم قوات التحالف وتستخدمها كوسيلة للابتزاز الآن وللمعاقبة لاحقا.
أولى الإخفاقات التي مني بها التحالف يتمثل في الفشل في اختصار أمد الحرب وفقا لما كان في تصورات من اتخذ قرار التدخل العسكري وثانيهما تمثل في فشل الحفاظ على تماسك الأطراف المتوقع منها المشاركة الفعلية في الحرب. ترددت وحسمت الأمر جمهورية باكستان النووية وهي الطرف الأهم الذي كان يعول عليه في إرسال الجيوش والتقنية الحربية وإعلان الحماية لدول التحالف باعتبارها قوة ردع رغم كل ما صرفته المملكة العربية السعودية من أموال باهضه في تمويل المشروع النووي الباكستاني كقنبلة إسلامية يمكنها أن تشكل حماية لها إن لزم الأمر, لكن باكستان أحالت الأمر إلى البرلمان الذي انتصر للمصالح القومية لبلده ورفض أي مشاركة لدولتهم في الحرب على خلاف العرب الذي يتخبطون دون أي استراتيجية تذكر بل انهم يحاربون انفسهم بأنفسهم. وانفرط عقد التحالف فانسحبت منه قطر والسودان دون إعلان وتشكلت مواقف معادية غير معلنة في كل من الكويت والأردن.
قام التحالف العربي دون دراسة بطريقة تكاد تشبه صيحات القبائل في زمن حروب الفجار وداحس والغبراء فالبعض أيّد واعلن مشاركته شكليا للحصول على المال دون أي حضور ملموس والآخر ارسل جنوده للحصول على المال وبقى في الأخير طرفين وحيدين هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية اللتان لهما أيضا مآرب مختلفة ومتناقضة في اليمن.
ظل مسار المعركة مرتبكا نتيجة أن أطراف التحالف تعمل ضد بعضها البعض ناهيك عن تعاملهم المتناقض مع الأطراف اليمنية في جبهات القتال وهو ما أدى إلى تفجر الصراع بين الإمارات وقطر استطاعت الأولى جر السعودية إلى المعركة ضد قطر مستغلة الصراعات الداخلية في مؤسسة الحكم داخل المملكة.
ظل المجتمع الدولي يراوح بين التأييد والشجب لأداء عاصفة الحزم وتحولت القرارات الدولية التي منحت التحالف شرعية الحملة العسكرية إلى مصيدة للابتزاز ويبقى استمرار التأييد والسكوت من قبل صناع القرار الدولي مرتبطا بضخ المليارات الخليجية إلى جيبوهم كرشي والتي انهكت ميزانية دول التحالف دون تحقيق أي مكاسب وسيظل كذلك ولكن إلى حين فهناك عصا حديدية تخفيها هذه الأطراف الدولية ستضرب بها وقت الحاجة ليتم مصادرة ما تبقى من مال لدول التحالف كتعويضات وغرامات مالية ستفرضها عليها.
على الصعيد المحلي تخبط التحالف في تعاطيه مع اطراف المعركة على الساحة اليمنية فكان حزب الإصلاح شريكا رئيسا في بداية المعركة لكنه اصطدم بالرفض الإماراتي لأي دور له وبقي على الطرف الآخر في المواجهة جبهة التحالف التكتيكي بين الحوثي و"عفاش" مستفيدة من هذا التخبط, فيما ظل الجنوبيون دائما على الهامش بالنسبة لكل اطراف التحالف ليس لأنهم مشكوكين في ولائهم ولكن لانهم دون قيادة موحدة أو واعية لملابسات المعركة . هكذا ظلت اطراف التحالف تعمل بشكل متناقض فقطر تدعم الإصلاح الذي تفرغ لزعزعة الأوضاع الأمنية في المناطق الجنوبية المحررة دون أي مشاركة تذكر في عاصفة الحزم وأجهضتا المملكة والإمارات العربية محاولة الجنوبيين رغم إخلاصهم في تحالفهم وتحقيقهم للنصر العسكري الوحيد من تمكين انفسهم من إدارة الجنوب, وفي نفس الوقت وقفت الإمارات بوجه السلطة الشرعية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين المصنفين كمجموعة إرهابية لدى الإمارات والسعودية معا. هكذا يبدو المشهد مرتبكا ومتناقضا وهو ما يفسر وجود الفشل الذريع لكل هذه الدول التي تملك المال والسلاح والجبروت في هزيمة قوات الحوثيين والمؤتمر الشعبي "العفاشي" المحاصرة برا وبحرا لقرابة ثلاث سنوات ناهيك عن تماسك الجبهة الداخلية لانصار الله وصمودها الأسطوري.
وهكذا أدى طول المعركة وإخفاقها إلى تداعيات ومعطيات جديدة تمثلت في محاولة التحالف الفاشلة في شق الجبهة المعادية عبر استمالة "عفاش" وحاشيته إلى جانبهم وهو ما منح انصار الله المبرر الشرعي لمحاصرتهم والتخلص منهم وإعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية بشكل اقوى ناهيك عن أن جماعة انصار الله تمكنت من بناء قوتها العسكرية خلال سنوات الحرب بشكل محكم من ترسانة جيش "عفاش" المتطورة ومن الأسلحة التي تتسرب إليها من قبل الموالين للتحالف العربي كما أنها استطاعت أن تمتلك منظومة صاروخية مهمة بما فيها صواريخ مضادة للطيران ستترك أثرها العسكري والسياسي على سير المعركة لامحالة.
يبدو المشهد اليوم مأساويا بالنسبة للتحالف فبعد أن خسر الرهان على الرئيس السابق صالح وشلته فضاقت مساحة الخيارات لديه فأعاد العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين مكرها وهو يدرك انهم يرتبطون بشكل وثيق بالمشروع التركي القطري السوداني المعادي وبالمقابل أثارت ممارسات التحالف المريبة في الجنوب امتعاض الشارع الجنوبي وخسروا ودهم وثقتهم بل ولنقل انكشفت أجندتهم للشارع الجنوبي وبدأ يتشكل مزاج معادي سيفضي إلى مواجهات مسلحة دون ادنى شك.
هكذا دخل التحالف في نفق مظلم لجأ معه إلى التصعيد العسكري في محاولة للضغط على جماعة انصار الله لعلهم يرضخون لبعض الشروط التفاوضية التي يمكن أن تحفظ ماء الوجه للتحالف العربي وفي نفس الوقت للتخلص من اكبر عدد ممكن من شباب الجنوب في محارق المخا وتهامة حتى يسهل للتحالف تمرير أجندته المعادية للجنوب وقد بدأ بذلك من خلال القبول بشروط جماعة الإخوان المسلمين بالتمدد جنوبا لإعادة تثبيت نظام دولة الاحتلال كمقدمة للتسوية التي يخطط لها.
لقد أضحت الخيارات أمام التحالف اليوم ضئيلة وصعبة فالحوثيون سيظلون قوة عصية على الأرض يفرضون شروطهم وسلطتهم وتبقى جماعة الإخوان المسلمين على الطرف الآخر عدوا لا يقل خطرا على التحالف من الحوثيين انفسهم لارتباطهم بالاستراتيجية التركية القطرية السودانية, وعلى الصعيد الجنوبي يبقى هامش المناورة مع الجنوبيين ضئيلا لتناقض أجندة التحالف مع تطلعات شعب الجنوب بعد أن بذل التحالف قصارى جهده دون جدوى للبحث عن شريك استراتيجي شمالي يتقاسم معه دولة الجنوب بموقعها وثرواتها خاصة بعد القضاء على حليفهم الاستراتيجي وشريكهم الاقتصادي الفعلي الرئيس السابق صالح. وهكذا سيظل خيار التدمير الشامل لكل مقدرات الدولة اليمنية شمالها بجنوبها هو الاستراتيجية الوحيد للتحالف مع صناعة وخلق شروط حرب أهلية جنوبية تضرب بعضهم ببعض للتحكم بإرادتهم التي سترفض أي تسويات تنتقص من حقوقهم الوطنية.