عبده النقيب يكتب لـ(اليوم الثامن):

الجنوب في مواجهة العاصفة

تعالت أصوات الجنوبيون هنا وهناك في الدعوة لوحدة الصف أو لنقول استعادة وحدة الجنوب الاجتماعية الذي حقق فيها الحراك السلمي إنجاز غير مسبوق لم يعرفه الوطن في تاريخه الحديث. هذه الدعوات لم تأت من فراع بل هي تعبير طبيعي عن قلق شديد يعترينا جميعا جراء المخاطر التي باتت تطوق عنق الوطن والمواطن وتضع مستقبلهما في مهب الريح.
لم نعد نحتاج الى جهد كبير لملاحظة أن الجنوب قد ولج منعطف خطير ومرحلة جديدة مختلفة تماما عن تلك التي بدأت في 2015 عند اجتياح قوات الاحتلال اليمني والقبائل اليمنية وما تلى ذلك من نصر جنوبي عسكري كاسح اخفقنا في استثماره سياسيا وعدنا اليوم الى المربع صفر.
إن المعالم الرئيسة التي يمكن أن تتصف بها هذه المرحلة تتمثل في تدخل التحالف العربي في الشأن اليمني وإخفاقه في تحقيق أي مكاسب له أو لليمنين شمالا وجنوبا.. لقد غرق في المستنقع بعد أن أحدث دمارا هائلا في بنية الدولة الجنوبية ومؤسساتها المختلفة والحق أضرارا جسيمة بالبنية التحية ناهيك عما سببه للمواطن من معاناة لا توصف والتي عاشها ويعيشها شعب الجنوب كنتيجة مباشرة لهذه السياسيات الخاطئة.
ويأتي فشل التحالف الذي يدير الشأن الجنوبي بكل تفاصيله في إقامة سلطة تحظى باي شرعية تعبر عن إرادة شعب الجنوب قادرة على التصدي لمهمة تمثيل الجنوب والدخول في تسوية قابلة للنجاح سوآءا على مستوى الجنوب أو مع الطرف اليمني وهو امر يشكل خطر جسيم قد يؤدي الى انزلاق الجنوب في حرب أهلية حال انسحاب قوات التحالف الذي يبدو انه يعد لهذا ويحاول الخروج من المستنقع الجنوبي والعودة الى الإستراتيجية القديمة في إدارة الشأن اليمني عن بعد من خلال إعداد وشراء الولاءات وصناعة كيانات هزيلة تتولى إعاقة أي جهود وطنية تسعى لبناء الدولة وإحداث تنمية وهو ما يحقق له التدخل المريح كما فعلت المملكة العربية السعودية في اليمن خلال نصف قرن.
وتأتي عملية صمود الحوثين في مواجهة الحملة العسكرية للتحالف وتحقيق نجاح منقطع النظير في تثبيت الأمن والاستقرار صاحب ذلك حدوث متغيرات جذرية في الموقف الدولي نحوهم واعتبارهم سلطة امر واقع كمستجد لا يمكن تجاوزه. يضاف الى ذلك المتغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة والتي خلقت وضع سياسي مختلف يمكن أن تتعاطى معه مختلف أطراف الصراع اليمني في حل خلافاتهم سوآءا مع بعضهم أو مع الوجود الإقليمي العسكري وتدخله في الشأن اليمني ككل.
أن طبيعة المرحلة المختلفة تتطلب منا كجنوبيين أن نقرأ هذه المتغيرات ونحللها بعمق حتى نستطيع استخلاص المهام الضرورية التي يفرضها هذا التحول وهي لا شك هم جنوبي عام. هذه المهام التي ازعم أنها تختلف جذريا عن تلك التي تصدى لها الحراك السلمي أو المقاومة الجنوبية قبل وبعد حرب ربيع 2015م في شعاراتها وأولوياتها.
أن الفشل في إيجاد تسوية ووضع حد للحرب الممتدة والمدمرة بعد كل هذه التضحيات يضغنا أمام مفترق طرق حيث تبدو الحرب الأهلية وتمزق الوطن جغرافيا واختفاء الدولة أو أجزاء مهمة منها مخاطر حقيقة ممكنة الحدوث وهذا يفرض على كل الجنوبيين بمختلف مشاربهم ورؤاهم السياسية وانتماءاتهم المناطقية أن يضعوا مهمة الحفاظ على وجود الوطن موحدا كمصلحة وطنية عليا وأولوية لكل جنوبي بعيدا عن كل الحسابات الفئوية الضيقة.
لا شك أن تجربة عقود من الصراعات الجنوبية المدمرة قد أوجدت لدينا قناعات راسخة بأن عدم القبول والاستماع للأخر والتعصب أدى إلى شيوع ظاهرة التسلط باسم الوطنية والثورجية وأقصاء الآخر ووصمه بالخيانة والتآمر وهي ثقافة وسياسة أدت بنا جميعا الى هذه المالات المؤسفة وان الصعوبات الاقتصادية لم تكن سببا في تكرار وتوالد الصراعات بنفس الألية بل إن ثقافة التسلط والإقصاء كانت سببا في إعاقتنا في إحداث تنمية حقيقية وإخفاقنا في استثمار الموارد الطبيعة والبشرية الضخمة وجذب الرأسمال الوطني الجنوبي.
إن استخلاصنا وفهمنا لأسباب إخفاقنا في الماضي يقودنا الى البحث عن مخارج ناجعة ومختلفة تماما وهي ممكنة تقوم على قاعدة أن الوطن يتسع لكل أبناءه وأننا أمام مخاطر تهدد مصيرنا جميعا ولا قبل لنا بمواجهتها إلا بوحدة وطنية متينة.
هكذا تبدو لنا جميعا بمختلف مشاربنا أن كل محاولاتنا في قيادة الوطن وإدارته بشكل منفرد في رؤية أحادية متعصبة أدت الى تمزيق النسيج الاجتماعي وسقوط الوطن والدولة في براثن التدخلات الخارجية والأطماع الإقليمية والدولية وهو ما يفرض علينا الاعتراف بان وجود الرؤى المختلفة والمصالح المتناقضة أمر طبيعي علينا أن نقبل بها وان نتخلى عن ثقافة الإقصاء والتعصب اذا ما أردنا تحقيق وحدة وطنية جنوبية.
وأخيرا تبدو لنا شاخصة أن الوحدة الوطنية هي القاعدة الأساسية التي نتكئ عليها في معركتنا للحفاظ على وجود الدولة الجنوبية والحفاظ على سيادة الوطن وسلامة أراضيه وهي أولية يتطلب منا الاصطفاف والتوحد لإنجازها والحفاظ عليها بعيدا عن أي حسابات ضيقة ثم ننطلق في مرحلة لاحقة باتجاه حل مهماتنا السياسية والاقتصادية والثقافية وفقا لقاعدة الشراكة الوطنية والتوافق الوطني الجنوبي وتلك هي طريقنا الأوحد لبناء الدولة وإحداث التنمية والاستقرار والرفاهية للمواطن التي طالما تطلعنا لتحقيقها جميعا.