د. عيدروس النقيب يكتب:

عن خطيئة 22 مايو

يغضب الكثير من الأشقاء السياسيين والمثقفين والكتاب الشماليين من الحديث المغاير لرؤيتهم عن 22 مايو 1990م، ويتحدثون عن كائن مقدس لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه، وينسبون إليه فضائل وسجايا وخصال وحسنات قد لا توجد لدى بعض الأنبياء والرسل، وينسون أن هذا الحدث لم يكن سوى جهد بشري قابل للنجاح أو الفشل وقد فشل، مثله مثل محاولة عباس بن فرناس الطيران التي جاءت قبل توفر شروطها فدفع حياته ثمنا لهاأ أو مثل محاولة توماس أديسون شرب غاز الهيدروجين ليرتفع في الجو وكاد أن يفقد حياته فيها.

يعتبرون أن 22 مايو هي أهم وأعظم حدث في التاريخ اليمني، ولا يقولون لنا أين تكمن هذه الأهمية وهذه العظمة.

في رأيي الشخصي أن عظمة أي حدث تكمن في ما قدمه للناس من نتائج عظيمة، والذين يقولون أن 22 مايو حدث عظيم لا يقولون شيئا عن هذه العظمة، وأفضلهم يقول: نحن نستطيع أن نتنقل بأمان بين الشمال والجنوب، وهناك تزاوج بين الشماليين والجنوبيين، وينسون أن اليمنيين يتزاوجون مع كل بلدان العالم وأن هناك تزاوج بينهم وبين المصريين والروس والأمريكان والسعوديين والخليجيين دون أن يقتضي الأمر أن يتوحدوا مع البلدان التي يتزوجون منها، وما ينطبق على الزواج ينطبق على التنقل والسفر، وما ينطبق على اليمنيين ينطبق على كل العالم في قضيتي التزاوج والتنقل.

ليس في الحديث عن فشل 22 مايو تعدي على أحد ولا انتقاص من حق أحد ولا شتيمة لأحد ولا امتداح لأحد وإنما هو إقرار بحقيقة هي مريرة على البعض ولذلك لا يرغبون في الإقرار بها.

إن 22 مايو حدث عادي أخفق في تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها، .  .  .نعم لقد حلمنا ذات زمنٍ حلماً جميلاً بدولة مدنية ديمقراطية، تقيم المواطنة المتساوية وتوفر شروط الحياة الكريمة وتحقق الرفاهية المعقولة لأبنائها، وتسمح لهم بالنهوض والمضي نحو مستقبل أفضل وأرقى واسمى من ماضيهم، فماذا حققت وحدة 22 مايو لليمنيين في الشمال والجنوب من كل هذا؟ لا شيء! لا بل لقد سلبت منهم بعضاً مما حققوه خلال نصف قرن من الزمان، مقابل نشوء أقلية من الطفيليين الذين نهبوا التاريخ وزيفوا الحقائق وتقاسموا مصادر الثروة، وادعوا أن هذا تقدمٌ كبيرٌ يخدم اليمن واليمنيين.

الكثيرون يقولون أن من أساء إلى 22 مايو هو نظام على عبد الله صالح، وهو أمر يمكن مشاطرتهم إياه، لكنهم يعلمون أن نظام علي عبد الله صالح لم يتغير، وأساطينه ما يزالون يتهيأون في مهجرهم ليعودوا ليتقاسموا وريثته، فالذي أفتى باستباحة أرواح ودماء وأبناء ونساء وأموال الجنوب ما يزال حاضرا في المشهد ولا يرغب حتى في الاعتذار عن هذه الجريمة، والذي أشرف على استدعاء الجماعات الإرهابية من أفغانستان ورعايتهم واستيعابهم في المؤسسة العسكرية ما يزال أكثرهم سطوة في المشهد، والذين تقاسموا ثروات وأراضي ومنشآت الجنوب ما يزالون يحيطون بمركز السلطة كإحاطة السوار بالمعصم، وجميع هؤلاء وشركاؤهم لن يغيروا شيئا من منهج النظام الذي يلعنونه، لأنهم هكذا نشأوا وهكذا كبروا وهكذا سيبقون إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

لم يعرف التاريخ اليمني من الكراهية والانقسام والعدائية والبغضاء منذ عهد الإمام القاسم مثلما شهده بعد 22 مايو 1990م، والأسباب واضحة لا تحتاج إلى الإفاضة في الشرح والتفسير فالناهب يستحيل أن يتعايش مع المنهوب، والسالب لا يتقبل العيش مع المسلوب، والغالب لا يمكن أن يحب المغلوب أو يتقبله، والمهزوم لا يمكن أن يتقبل التعايش مع المنتصر عليه، ومحاولة إجبار الطرفين على التعايش والبقاء تحت سقف واحد بالقوة المسلحة، ليس سوى عملٍ تعسفي ترفضه المعطيات القائمة على الأرض، وبالعكس يمكن لليمنيين ومن خلال العودة إلى نظام الدولتين الجارتين أن يؤسسوا لشكل جديد من العلاقة يقوم على الشراكة لا على التبعية، على الإخاء لا على الوصاية على ثنائية الأخ وأخيه والجار وجاره لا على ثنائية التابع والمتبوع.

تلك هي الحقائق التي لا يريد البعض الإقرار بها، ولهذا لن تعرف اليمن استقرارا ولن يعرف الشمال والجنوب تعايشاً إلا بتصحيح الخطيئة التي أدى إليها بيان 22 مايو الذي جلب الوبال لكل اليمنيين وللجنوبيين على وجه الخصوص.