د. سالم حميد يكتب:

الأمم المتحدة ودبلوماسية رعاية الميليشيات

لم تعد ازدواجية قرارات وتحركات منظمة الأمم المتحدة تخفى على أي متابع للأحداث الساخنة في بؤر النزاعات والصراعات والحروب. فكل التجارب تخبرنا أن دور الأمم المتحدة سلبي للغاية ومشجع على إطالة أمد الصراعات أحيانا. وهذا ما يجعل دبلوماسية الأمم المتحدة تبدو على هيئة رعاية مغلفة لجماعات دموية وميليشيات وعصابات، يتم اعتبارها أطرافا موازية للدول والحكومات والأنظمة الشرعية.

نعرف أن الأمم المتحدة ومبعوثيها يتحركون في حقول من الأشواك، في ظل عوائق وتعقيدات ومصالح دولية متضاربة، لكن من غير المنطقي أن تظهر الأمم المتحدة وكأنها تدلل عصابات ومجموعات إرهابية وتمنحها المزيد من الوقت والعديد من الفرص. وقد لا تخفي تضامنها أحياناً مع تلك العصابات، تماما كما تفعل بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي ترفع راية حقوق الإنسان كذريعة للدفاع في بعض الحالات عن إرهابيين يستهدفون أمن واستقرار الشعوب والسكان الآمنين.

إن كوارث الحروب تضيف دائما كارثة أخرى أصبح الجميع يعرفون مدى تأثيرها، وهي كارثة فشل منظمة الأمم المتحدة في التعاطي مع البؤر الساخنة بمنطق ينحاز إلى إنهاء الصراعات، لأن ما تقوم به هو إطالة الحروب وإمداد الميليشيات بما يساعدها على الاستمرار في نشر الإرهاب والفوضى. ولنا في تجربة الحرب اليمنية مثال على عبث الأمم المتحدة، يضاف إلى أنواع أخرى من العبث والفساد وسلوكيات تجار الحرب، الذين لا تهمهم سوى المصالح، بينما تكون المعاناة من نصيب الأبرياء الذين يدفعون ضريبة جشع وفساد تجار الحروب الذين ترتبط مصالحهم مع الوقت باستمرار الحرب وعدم إنهاء فصولها.

أما الأمم المتحدة فتجاربها الفاشلة والمشكوك في أهدافها كثيرة ومتنوعة بعدد مناطق الصراع ومساحاته، سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا. فكلما أوشكت بعض الأزمات على الاقتراب من الحسم تحضر الأمم المتحدة على هيئة منقذ لعصابات الدمار والفوضى. وهذا ما حدث في مدينة وميناء الحديدة في اليمن، حيث كان دور الأمم المتحدة ومبعوثها إسعافيا ومنقذا للحوثيين ويتعامل معهم وكأنهم الطرف البريء، رغم أنهم قاموا بالانقلاب على الحكومة الشرعية وتسببوا في الكارثة التي يعاني منها اليمن.

وليست المرة الأولى التي يتحول تدخل الأمم المتحدة في الملف اليمني إلى فرصة لإنقاذ ميليشيا الحوثيين ونفخهم من جديد، لكن الإنقاذ المفضوح أكثر من غيره حدث في الحديدة، حيث قررت الأمم المتحدة المشاركة مع الحوثيين في رسم فصول مسرحية إعادة الانتشار، بينما ما حدث هو أن الحوثيين قاموا بنقل السيطرة على الميناء من مجموعة حوثية ترتدي الزي المدني إلى مجموعة حوثية أخرى ترتدي الزي العسكري.

تدخلات الأمم المتحدة تنحاز بمبررات واهية إلى جانب الميليشيات سواء كانت إخوانية كما في طرابلس بليبيا، أو صفوية كما حدث ويحدث في اليمن، وكذلك في العراق حيث تعربد فيه وتتسلط وتحمل السلاح ميليشيات موالية لإيران تحت اسم الحشد الشعبي.

النماذج التي تثير الشكوك تجاه عبث الأمم المتحدة كثيرة، بعد أن أصبح الدور المشبوه يؤدي إلى حروب تستنزف الشعوب وتجعلها تعيش فترات من الجحيم، بينما تجار الحرب يستمتعون بجمع الثروات والمتاجرة بكل شيء.

لماذا يتحول تدخل الأمم المتحدة في العديد من النزاعات إلى وسيلة لحماية المجموعات الإرهابية وإطالة عمرها وتهيئة الظروف أمامها للتوسع والحصول على وقود لحروبها العبثية.

صحيح أن الأمم المتحدة منظمة دولية ترتهن في نهاية المطاف للقوى العظمى التي تتحكم بقراراتها وتستخدم أحيانا حق الفيتو ضد القرارات التي تتعارض مع مصالحها، لكن يبقى الغموض قائما تجاه طبيعة أداء الأمم المتحدة في قضايا واضحة عندما يكون أحد أطراف الصراع عبارة عن ميليشيا متطرفة وإجرامية. فلماذا تتدخل منظمة بهذا الأهمية بشكل يصب في مصلحة ميليشيات إرهابية، تحصل على الحماية وتتحول إلى طرف تدعو الأمم المتحدة إلى التحاور معه؟ وسبق أن تمت جولات حوار مع الحوثيين كان من نتائجها أنهم تمادوا عندما وجدوا منظمة دولية تضعهم في موازاة الدولة التي انقلبوا عليها وسيطروا على سلاحها واستخدموه لصالح أجندة إيرانية معادية للأمن القومي العربي.

والآن تسعى الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى ليبيا غسان سلامة إلى إنقاذ ميليشيات طرابلس الإخوانية والدعوة إلى الحوار معها. وهذا هو أسلوب الأمم المتحدة المتكرر لإنقاذ المجموعات الإرهابية. فما الذي يدفع الأمم المتحدة لمثل هذا الأداء؟

لا يكاد يشبه الأمم المتحدة في هذا السلوك سوى منظمة العفو الدولية، التي تنحاز إلى الإرهابيين. لذلك ليس غريبا أن يتم رفض استقبال مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة في ليبيا، لأن الدور الأممي في ليبيا بدلا من أن يحل أسباب الصراع ويمهد للسلام، ذهب إلى اعتبار الجانب الإرهابي طرفا في معادلة غير منطقية لا يمكن أن تجمع بين قوات تمثل الجيش الوطني وبين ميليشيات إرهابية تكونت في ظروف إسقاط نظام سياسي سابق، وتريد أن تحكم ليبيا وأن تستغل الفرصة لتحويلها إلى إمارة إخوانية.

يشعر المتابع كما لو أن الأمم المتحدة متواطئة مع تجار الحروب الذين أصبحت الحرب تشكل بالنسبة لهم بيئة للحصول على مصالح لا تتوفر لهم في زمن السلم. لذلك تظهر علامات استفهام كثيرة تجاه تحركات الأمم المتحدة في المناطق التي تشهد الفوضى والحروب، خاصة في ظل تنامي شعور بأن المنظمة تعمل بكيفية تدفع نحو استمرار الفوضى، في اليمن أو في ليبيا.