د. سالم حميد يكتب:
دروس التسامح الإماراتية
قدمت دولة الإمارات صورة ناصعة تظهر فيها قيم التسامح في هذا البلد المتنوع بساكنيه، فحين نتحدث عن الإمارات التي يقطنها مقيمون من نحو 200 جنسية، نتحدث عن دروس في قيم التسامح، فكل يمارس عمله بحرية تحت سقف القانون، وكل له دينه أو طائفته وله طقوسه وعاداته وتقاليده التي تُحترم طالما تقيد بقوانين البلاد التي تكفل حرية الإنسان وكرامته، فهكذا هي الإمارات التي نعرفها إمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إمارات المغفور له الشيخ خليفة بن زايد طيب الله ثراه، إمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات، وكل مواطنيها الذين اعتادوا على التنوع والاختلاف عند التعامل مع كافة جنسيات العالم.
في الأسبوع الماضي تم افتتاح معبد هندوسي بمنطقة جبل علي، وهذا المعبد الفريد في تصميمه سيوفر مكاناً للعبادة لمئات آلاف الهندوس، حيث يعيش أقل من 3 ملايين هندي في البلاد، والهنود من أكبر الجاليات وبينهم فئات متنوعة تعمل بإخلاص في كافة المجالات، وبعضهم أمضى عشرات السنوات هنا، ومنهم من هو مقيم منذ ستينيات القرن الماضي.
والعلاقة التي تجمعنا مع الهند قديمة وليست بجديدة، لذلك فافتتاح هذا المعبد هو نتاج طبيعي لبلد التسامح والتعايش، بلد اختار قادته أن يكون لديه وزير للتعايش والتسامح ليعمل على تعزيز قيم التسامح داخل الدولة ونشرها إلى العالم، وتعزيز التسامح بين أفراد المجتمع، وهذه الخطوة لاقت إشادة عالمية منقطعة النظير من قبل كل من يؤمن بالتسامح والتعايش، بغض النظر عن دينه أو جنسيته.
المفارقة وسبب تناول هذا الموضوع هو كم الحشد عبر بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ضد هذه الخطوة، حيث كان هناك كم كبير من النفاق والتناقض، محاولين مخاطبة البسطاء بلغة تنم عن الكره والحقد ضد الآخرين المختلفين دينياً، حيث لاحظنا في مواقع التواصل شتائم مسيئة لأصحاب الأديان الأخرى وأيضاً استهزاء بمعتقداتهم، وهذه الجوقة معروفة الأهداف والتوجهات، واللافت أن بعضهم مقيم في دول الغرب وهم نفسهم يطالبون بأن يكون لديهم منابر في تلك الدول، التي في معظمها وفرت أماكن عبادة وسمحت بممارسة الطقوس الدينية المختلفة.
ومع ذلك يظل أتباع تلك الجوقة يهاجمون ما يسمونه تضييق على حريتهم في بلاد الغرب، وفي الوقت نفسه يرفضون السماح للآخرين بممارسة طقوسهم في بلدانهم أو بلاد عربية وإسلامية، وهنا نذكرهم كيف تسمح بلدان لمسلمين في إقامة شعائرهم في الساحات العامة والشوارع مع أنها ليست أماكن للعبادة، ففي وسط نيويورك وضمن أشهر معالمها السياحية وبحماية من الشرطة أقام عدد كبير من المسلمين الصلاة جماعة ومن دون أن يمنعهم أو يضطهدهم أحد، وهذا أيضاً يتكرر في بلدان عدة مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها، حتى أن مسلمين يشترون أو يستأجرون كنائس لتحويلها إلى مساجد في بلدان عدة، ثم تشاهد نفس الأشخاص الذين يعيشون في تلك البلدان ينتقدون قيام دولة عربية أو إسلامية بتوفير حق العبادة لطائفة ما.
التسامح الديني والتعايش أمر وجب تنفيذه، وهو ليس بغريب عن الإسلام الذي حضّ على التسامح والتعايش. وهناك قصص كثيرة تظهر تسامح المسلمين مع أصحاب الديانات الأخرى، لكن مع الأسف هناك من يفسر الدين على هواه ويوظفه سياسياً لأهداف معروفة، ومثال ذلك جماعة «الإخوان» وغيرها ممن ينزعون للتشدد في أفكارهم وآرائهم، وهم من أفسد في بلاد مسلمة كثيرة ولا يزالون يبثون سمومهم عبر منصات مواقع التواصل، ليؤثروا على البسطاء والمغيبين فكرياً، لذلك وجب التنوير والتوعية وكشف تلك الجوقات الشاذة.