د. سالم حميد يكتب:
«الإخوان» وسنوات العودة للجحور
أين وصلت مخططات جماعة «الإخوان المسلمين» بعد مضي ما يقارب القرن على التأسيس؟ لقد مرت الجماعة بمد وجذر، صعود وهبوط، لتكشف أوراقها كاملةً في السنوات الأخيرة وتتعرى أمام الشارع العربي، ولتكتب نهايتَها في أكثر من بلد، حيث إن وصول الجماعة للسلطة في مصر قد تسبب في كشف حقيقي لأهدافها، وفي إدراك الشعوب العربية زيف شعاراتها الرنانة التي سبق وأطلقتها، وأن كل ما تشدقت به ليس سوى أوهام بغية تحقيق الهدف الوحيد وهو الوصول للسلطة واحتكارها وإقامة دول إخوانية. وبعد هذه العقود الطويلة ماذا حل بهذه الجماعة؟ وما هو واقعها في العديد من البلدان؟
في الحقيقة، يختلف نفوذ ونشاط الجماعة من بلد إلى آخر، مع العلم بأن ولاء الجماعة ليس للأوطان، فهي تؤمن بأنها كيان عابر للجغرافيا. ومن المعروف أن نشاط الجماعة يعتمد على نفوذها وقدرتها على تخطي دولها، وقد حاولت في بعض الدول أن تنضم لأحزاب سياسية، وفي دول أخرى كوّنت مليشيات عسكرية أو لجأت للإرهاب والعنف بغية تحقيق غايتها، بما أن الغاية تبرر الوسيلة في عقيدتها. وكما باقي الجماعات المتأسلمة، فقد حاولت استمالة الشارع عبر باب الدين وادعاء أنها الممثل الحقيقي للمسلمين، لكن حالياً وبعد مضي قرن من الزمن فإن وضع الجماعة في الحضيض، وهي تضمحل أو تكاد في كثير من الدول. في مصر من المعروف كيف لفظ الشارع الجماعة بعد وصولها للسلطة، وكيف اتحد في مظاهرات عزلت الرئيس السابق محمد مرسي وأنهت حكمَه، ووضعت كل مَن تجاوز من جماعته في السجون، ليحاكموا على جرائمهم ولتُطوى صفحةٌ سوداء في التاريخ المصري.
وربما وصول هذه الجماعة للسلطة أدى إلى كشفها أمام الشارع وكشف مخططاها، وكذلك حدث في السودان، حيث تم عزل الرئيس السابق عمر البشير، ويتواصل منذ ذلك الوقت عمل لجنة تفكيك «الإخوان» واجتثاث النظام السابق ومصادرة الأموال التي نهبها «الإخوان». أما بالنسبة لـ«الإخوان» الهاربين إلى تركيا فقد بدأوا المرحلة الثانية ومن هروبهم، وهذه المرة يبحثون عن بديل لتركيا التي لفظتهم هي الأخرى بعد التقارب بينها وبين مصر، واشتراطات الأخيرة إيقاف وتسليم الهاربين.
كما تم إيقاف الإعلام الإخواني، سواء قنواته التلفزيونية أم منصاته الأخرى على مواقع التواصل. وبالفعل فقد فزع «الإخوان» هناك وانطلقوا في البحث عن دول بديلة، وتم بالفعل حل المكتب الإداري للتنظيم في تركيا ليكون مصير الآلاف من الهاربين مجهولاً. وفي تونس أصبحت نهاية «الإخوان» قريبة، لكن بطريقة أخرى، فبعد أن اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد قراراً جريئاً في تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة الحكومة، بعد أن فاض الكيل بتدخلات الجماعة وتعمدها شل الحكومة وشل حركة البلاد وتعميق معاناة المواطنين، كان لقرار سعيد دور مهم في مجابهة «الإخوان» ومنعهم من العبث بالدولة التونسية، وكان لقراراته صدى كبير في الشارع التونسي، لكن واقع الجماعة لا يزال بين أخذ ورد وهي ما تزال تحاول إضعاف مؤسسة الرئاسة وتشكيل خطر على مستقبل تونس.
وربما يكون «إخوان» ليبيا أكثر خطراً، وعلى الرغم من تغيير اسمهم فإنهم ما يزالون مصدر قلق للشارع الليبي، ومن المؤكد أن الانتخابات المقبلة ستنهي حلمهم في هذا البلد، حيث إنهم كجماعة مارقة في كل البلدان التي سبق ذكرها تسعى بشكل ممنهج للاستفادة من حالة التشظي وعدم الاستقرار في ليبيا، الحالة التي ساعدتهم على النمو والتغلغل، لكن إلى حين فقط. ففي ظل الاستقرار والازدهار في أي بلد نجد الجماعة تنكمش وتعود لجحورها، متنتظرةً الفوضى من جديد حتى تعود للتمدد والانتشار.
*كاتب إماراتي - بتصرف عن صحيفة الاتحاد