د. سالم حميد يكتب:

مقتل البغدادي ومؤشرات العبث بورقة الإرهاب

سوف يستثمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقتل أبوبكر البغدادي بشتى الوسائل الإعلامية والسياسية، وخاصة في إطار حملته الانتخابية القادمة، بهدف البقاء على كرسي الرئاسة للمرة الثانية. هذا ما يقوله غالبية الذين تابعوا أسلوب الإعلان الأميركي عن عملية قتل البغدادي، من حيث توقيت وشكل الإعلان عن الحدث. وليس في رصيد ترامب حتى الآن ما يتباهى به، بل على العكس واصل المضي على نهج سياسة سلفه باراك أوباما في الانكماش العسكري والانسحاب من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، بل إن ترامب منح روسيا فرصة للتوغل في المنطقة والتحالف مع الإيرانيين والأتراك على حساب الدور التقليدي لأميركا في المنطقة.

يريد ترامب أن يصنع بطولة تحسب له ولفترة حكمه الأولى، بعد أن أصبحت مفردة داعش ماركة عالمية للإرهاب، ومن شأن توظيف التخلص من زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، أن يحقق لترامب بعض النقاط في الوقت الحالي، دون ضمانات أن تصمد شعبيته إلى مرحلة ما قبل التصويت الفعلي لانتخابه.

لكن السؤال الأهم الذي سيطرح نفسه، هل تم القضاء على جذور الإرهاب بالفعل؟ لأن العبث بورقة الإرهاب تكرر كثيراً في المشهد الدولي، دون أن تكون هناك خطوات جادة للوصول إلى منابع التطرف وبذور العنف باسم الدين وعوامل توليده، مثل الفقر والتخلف وانعدام الاستقرار وضعف التنمية وركاكة أنظمة التعليم وعدم انضباط الإعلام وانفلات الخطاب الديني والتراجع عن جهود تجديده.

هناك إجماع على أن قوى تتحكم بزراعة وتحريك خلايا الإرهاب، وأن الطبعات المتعددة للتنظيمات المتطرفة تكشف عن لاعب دمى يمسك بالخيوط

عملية قتل البغدادي تحولت إلى حدث إعلامي للتوظيف السياسي في أميركا وغيرها. حيث استهلت القنوات والمحطات تغطيتها للخبر بأسلوب لا يخلو من التوظيف الدعائي المكشوف، وتحديداً في المحطات الأميركية التي نقلت إحداها عن مصادر أن البغدادي قد يكون قتل نفسه بسترة انتحارية عندما هاجمت قوات أميركية خاصة موقعه، وذلك في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، خلال غارة جوية شاركت فيها طائرات هليكوبتر وطائرات حربية في قرية باريشا قرب الحدود التركية.

وفي حين تقافزت بعض الدول للإعلان عن اشتراكها في العملية في محاولة لجني ثمار إعلامية من وراء الحدث، كان الإعلام الأميركي أكثر حرصاً على إبراز أن “القوات الجوية الأميركية شنت عملية خاصة بأوامر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان من بين أهدافها المُهمّة استهداف، أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، والتي أسفرت عن مقتله”.

ويبدو أن الأميركان كانوا على اطلاع دائم أو منذ فترة بتحركات البغدادي، لكنهم قرروا اختيار الوقت المناسب لتصفيته، ما يجعل من الحدث مكسبا سياسيا وليس مجرد واقعة هامشية. وهذا ما دفع الإعلام الأميركي إلى الحرص على القول إن ترامب وافق على تنفيذ المهمة قبل حوالي أسبوع من حدوثها.

هذا يذكرنا بتوظيف أميركي مباشر لعملية قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة. لأن الأسلوب يتكرر من حيث نفخ شخصية البغدادي وتحويله إلى بعبع، ثم إعلان تصفيته، رغم أنه كان قد فقد نفوذه بانهيار التنظيم والمناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا.

المراقبون للأحداث يدركون أن ورقة الإرهاب لا تزال تستخدم من كافة الأطراف، وأن الحرب الحقيقية لاستئصال جذور التطرف والإرهاب لم تبدأ بعد، أو أنها بحاجة للمزيد من المصداقية، والتخلص من التوظيف السياسي المتكرر لمحاربة هذه الظاهرة.

وفي واقعة مقتل البغدادي، كانت تركيا وإيران وقطر تمثل ثلاثي الشر الذي تكيف مع موجة الإرهاب، بل إن هذا الثلاثي ساهم في استثمار الإرهاب، لذلك فإن العزاء بمقتل البغدادي يجب أن يوجه لتركيا وإيران وللذراع المالية والإعلامية المساندة لهما وللإرهاب المتمثلة في قطر.

بالنسبة للجانب التركي، حاول الكثيرون إظهار دور لأنقرة في عملية التخلص من البغدادي، بينما لا يمكن تجاهل الدور التركي الذي خدم تنظيم داعش وسهّل عملية تزويده بالعناصر من كافة أنحاء العالم. فكما هو معروف كانت تركيا تفتح مطاراتها وحدودها لعناصر داعش وتشتري النفط منهم وتزودهم بالمعدات والأموال والمقاتلين الذين وجدوا في تركيا ممرا آمناً كان يسهل لهم الالتحاق بالتنظيم.

يريد ترامب أن يصنع بطولة تحسب له ولفترة حكمه الأولى، بعد أن أصبحت مفردة داعش ماركة عالمية للإرهاب، ومن شأن توظيف التخلص من زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، أن يحقق لترامب بعض النقاط

أما إيران فقد تحولت إلى حديقة خلفية لعائلات الإرهابيين من القاعدة وتنظيم الدولة، ووفرت لهم آليات للتحرك واللجوء والاستعداد، وعبر عملائها في العراق تمكن تنظيم داعش من السيطرة على أسلحة ومقرات وبسط نفوذه على مساحة شاسعة من العراق امتدت إلى سوريا. فيما لعب الجانب القطري دور الممول، من خلال ما عرف بدفع أموال الفدية لاستعادة مختطفين، وما لم يتم الإعلان عنه أو كشفه لا يزال مستوراً حتى الآن ويدين الدوحة أكثر. وبالتالي لا يمكن الحديث عن بطولة افتراضية لإيران أو تركيا في إنهاء تنظيم داعش. كما أن الشكوك تحوم حول توقيت الولايات المتحدة للقيام بهذه العملية، وبعيداً عن احتياج حملة ترامب الانتخابية لعملية من هذا النوع، كان من الواضح أن مهمة البغدادي بالنسبة للأميركان قد انتهت، لذلك تمت تصفيته على غرار تصفية بن لادن التي وقعت في شبهة وملابسات التوظيف المماثلة لتصفية البغدادي أخيراً.

الإشكالية التي تواجه الشرق الأوسط بمنظومته وحلفائه، أن هذه المنطقة تحولت إلى ساحة للعبث، وذلك يشمل ملفات خطيرة مثل ملف الإرهاب. فإذا ما تم إجراء استطلاع للرأي العام بشأن مدى جدية الحرب ضد الإرهاب ومصداقيتها، يمكن معرفة اتجاهات الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أشار أغلبية روادها إلى حادثة تصفية البغدادي بوصفها مجرد محطة لا تعني نهاية الإرهاب. وهناك إجماع على أن قوى تتحكم بزراعة وتحريك خلايا الإرهاب، وأن الطبعات المتعددة للتنظيمات المتطرفة تكشف عن لاعب دمى يمسك بالخيوط، أو يحافظ على نهج صناعة بعبع إرهابي بين فترة وأخرى. وكما تم التخلص من الزرقاوي في عهد بوش وبن لادن في عهد أوباما، نجد أنفسنا أمام ترامب وتوظيف إدارته لعملية التخلص من البغدادي. ويتساءل الناس، ترى من هو البعبع الجديد الذي سوف تتم زراعته وتسميته بعد داعش والبغدادي؟