مع مرور عامين على عزلة قطر، بعد مقاطعة الأشقاء العرب الكبار، يبقى التساؤل: لماذا لم تتغير قطر؟ وربما بات السؤال الأهم: «هل من أمل في أن تتغير بوصلة توجهاتها جهة الأشقاء والجيران، أم أنها ستظل سادرة في غيها على هذا المنوال»؟
يحار المرء من أين تبدأ جردة حساب عامي المقاطعة، هل من القديم أم من الأحدث بما فيه من نوازل قطرية متوقعة في كل الأحوال.
من مشاهد قطر الجديدة، التي تؤكد أن سيادة قرارها أمر مشكوك فيه، وأن رؤاها المغشوشة وسياساتها المنحولة لن تتعدل أو تتبدل، ما جرى على هامش قمم مكة المكرمة الأخيرة، تلك، أجمع العالم، لا العرب فقط، على نجاحاتها ونجاعاتها، في لم الشمل العربي، وتوحيد الصفوف، وتوصيف الخطوب توصيفاً دقيقاً، حازماً وحاسماً دفعة واحدة.
حديث نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى قناة «الجزيرة»، قبل بضعة أيام، يقطع بأن القرار الفوقي القطري مرتهن لطهران، بقدر ارتهانه لقوى إقليمية ودولية أخرى، غير أن خداع الذات هو ما يصور للقائمين على شؤون البلاد امتلاكهم لرؤية مستقلة.
يتحفظ المسؤول القطري على بيانات القمة الخليجية والإسلامية، ومرد تحفظه أنها لم تُقَر وفقاً للإجراءات المعهودة، وأنها تبنت سياسة واشنطن تجاه إيران، وهي سياسة لا تأخذ الجوار الخليجي معها بعين الاعتبار، بل تدين إيران دون الإشارة إلى سياسة وسطية للتحدث معها، وفق رأيه.
لعل طهران هي آخر من يحق له الحديث في السياقين الأخيرين؛ الجوار، والتبعية، ويبدو أن مرض قصر النظر بات مخيماً على الداخل القطري، لا سيما أن طائرات «بي – 52» العملاقة التي يمكن لواشنطن أن تستخدمها كذراع طولى لها، حال نشوب القارعة مع الإيرانيين، رابضة على ممرات قاعدة العديد القطرية الشهيرة، وفي انتظار أوامر «البنتاغون» للتحرك ذات لحظة بعينها.
حين يعظ الشيطان يضحى حديثه «ابوكريفيا»، فالذين يتحدثون عن معايير الجيرة، هم أنفسهم الذين يشاركون طهران شرورها التي تطال الأشقاء من حولها، عبر الصواريخ الباليستية تارة، ومن خلال الألغام البحرية تارة ثانية، ناهيك عن سياسة ذرع الوكلاء الميليشياويين، وترتيب أوراقهم في الحل والترحال، للحرب مع أميركا وحلفائها.
أي ازدواجية مرضية قاتلة يعاني منها النظام القطري، وأي أكاذيب يروّجها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بقضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية.
السيد محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحاته لقناة «الجزيرة»، التي لا تنفك تنفث سمومها صباح مساء كل يوم، يؤكد أن قطر لا توافق على ما يناقض ثوابت القضية الفلسطينية، ولا تقبل بتجاوز الشعب الفلسطيني… يا للهول بصوت عميد المسرح المصري الراحل يوسف بك وهبي.
المملكة العربية السعودية، التي توقَّف ملكها وقفات ثابتة في كلمته أمام القمم الثلاث تجاه الحقوق الفلسطينية، والرئيس المصري الذي قدمت بلاده أكثر من مائة ألف ضحية وأربع حروب من أجل فلسطين، والإمارات العربية المتحدة، وأياديها البيضاء على القضية، وعلى الشعب الفلسطيني، وبقية الأشقاء الخليجيين والعرب، هؤلاء جميعاً، وعلى حين غرة، تراجعوا عن دعم الثوابت الفلسطينية، ولم تعد سوى قطر في ميدان الوغى التي تتمسك بالثوابت.
في كتابه عن «الخرافات» يحدثنا الأديب الفرنسي الكبير والشاعر جون دي لافونتين، عن قصة الضفدعة التي ساءها صغر حجمها، وهوانها بين حيوانات الغابة الكبار، ولهذا عزمت أمرها على أن تصير كبيرة في حجم الثور، وراح بها الحسد والغرور في طريق الانتفاخ إلى الحد الذي جعلها بالفعل عند لحظة بعينها في مثل جحم الثور، غير أنها كانت لحظتها النهائية المحتومة، إذ انفجرت وأضحت أثراً بعد عين… هل من مقاربة بين رواية لافونتين ونوازل قطر؟
عامان من العزلة لم تتغير فيهما قطر، وأغلب الظن أنها لن تتغير، فقد تماهت مع الأوهام النفسية القاتلة، وعلى الأرض لا تزال تمارس كل الأدوار السفلية في عالم دانتي أليغيري التحتية جداً، حيث الشر هدف، والضلال غاية، والإرهاب استراتيجية.
فلينظر القارئ إلى قطر التي تتحدث عن الجيرة، وليسائلها عما تفعله في ليبيا من دعم للإرهاب الأعمى، ودفعها للجماعات الأصولية التي تدير مقدراتها من أراضيها للمضي قدماً في طريق الدمار، وعينها بنوع خاص على مصر، حيث محاولة الانتقام من الشعب الذي أسقط جماعة «الثقب الأسود» الذي حاول ولا يزال التهام العالم العربي والإسلامي، مرة وإلى الأبد، فهل هذه هي حسابات الجوار والوسطية.
أحسن كثيراً جداً وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية السيد عادل الجبير، حين أشار إلى أن «الدول التي تملك قرارها عندما تشارك في المؤتمرات والاجتماعات تعلن مواقفها وتحفظاتها في إطار الاجتماعات، ووفق الأعراف المتبعة، وليس بعد انتهاء الاجتماعات».
المراوغة والتحريف ديدن قطر التي لم ولن تتغير… مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً.
الشرق الأوسط