د. عيدروس النقيب يكتب:

منجزات الحرب على البهجة

حادثتان شهدتهما اثنتان من أهم المدن في صناعة الثقافة والفن والإبداع وإنتاج الفكر والمعرفة، هاتان الحادثتان تحملان الكثير من المعاني الظلامية التي تتخفى تحت سقف الحياة المضطربة في هذا البلد المغلوب على أمره.

* كانت مدينة تعز تتهيأ لاستقبال فيلم "عشرة أيام قبل الزفة" للمخرج العدني المعروف عمرو جمال، وهو الفيلم الأشهر في تاريخ السينما اليمنية والحائز على العديد من الجوائز والميداليات والشهادات التقديرية من العديد من المهرجانات والمؤسسات السينمائية العالمية، لكن فتوى لأحد المتنطعين، ودعاة الظلامية والتكفير نجحت في إثارة الرعب والهلع بين أبناء تعز المتلهفين لمشاهدة الفيلم، مما دفع اللجنة المنظمة لعرض الفيلم إلى الاعتذار لجمهورها وإيقاف برنامج العرض بعد أن شعر المتابعون أن هذه الحملة قد تؤدي إلى القيام بأعمال إرهابية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

حملة التحريض والتكفير هذه المرة لم تصدر عن الجماعة الحوثية التي انقلبت على كل شيء في (اليمن الاتحادي)، ولا عن تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، بل جاءت على لسان برلماني يمني ينتمي إلى الحزب الأكثر هيمنة على مكونات سلطة الحكومة الشرعية، وهو ما يؤشر على طبيعة ما ينتظر اليمنيين في ظل الشرعية (الاتحادية) الموعودة، وباختصار صاحب الفتوى هو البرلماني المعروف عبد الله العديني الذي انفلتت لسانه وعقليته من كل عقال في ظل الحرية التي حصل عليها بفضل الانقلاب الحوثي ـ العفاشي، والحزب الذي ينتمي إليه هو التجمع اليمني للإصلاح، الذي أبدت وسائله الإعلامية المتعددة المتوفرة (ما شاء الله) رضىً ملحوظا من خلال تجاهل الحدث وعدم التعليق عليه، أما هيئاته القيادية فمن الواضح أن من بين أفرادها من طمأن البرلماني العديني بأنه على الصواب وأن محاسبةً ولا حتى نقداً لن تطالاه.

* وفي عدن جرى تنظيم احتفالية ثقافية تكريما للفنانة المبدعة الطفلة "ماريا قحطان" في ملعب حاشد بمدينة المنصورة، وهي فعالية عيدية احتشدت لها مئات الأسر بنسائها ورجالها وأطفالها، للاستمتاع بالأجواء العيدية في وضعية فرائحية، للأغنية والموسيقى مكانةً مهمة في صناعة بهجتها.
لكن طرفاً من ذوي النزعة الإجرامية والعقليات الدموية قام يتفجير قنبلة صوتية في قاعة المهرجان وأدى ذلك إلى حدوث إصابات متفاوتة بينها إصابة الطفلة الفنانة المبدعة ماريا نفسها.

ماريا قحطان الفنانة القادمة من مديرية بعدان بمحافظة إب الشمالية، اسم شق طريقه بسرعة فائقة وفي وقت مبكر من عمرها واستطاعت أن تتقدم في عالم الفن والغناء، وأبرزت تفوقاً ملحوظاً من خلال البرنامج الغنائي "العالمي" على قناة (MBC) (The Voce Kids) ووصولها إلى النهائيات، كما أحيت العديد من الفعاليات الفنية المتميزة التي حازت من خلالها على إعجاب الكثير من هواة الموسيقى ومتابعي الأغنية، من الباحثين عن جرام من البهجة في ظل الحرب المدمرة متعددة الأوجه التي يتعرض لها مجتمعنا في الجنوب والشمال على السواء، والتي جعلت البؤس والقلق والخوف والفاقة والرعب هي المرادفات المتنافسة على سطح حياة الشعبين.

الحدثان لا ينفصلان عن بعضهما، ويحملان مدلولات عديدة تلخص حالة الحرب على كل عناصر الحياة ومقوماتها، وعندما يأتي أحد هذين الحدثين من قبل أطراف بعضها شريك في سلطة الشرعية فإن المؤشرات تقول بأن نزعة الإجرام والتكفير والقتل ليست حكراً على الطرف الانقلابي، بل أن الانتصار المرتقب للشرعية، على الانقلابيين، يبشرنا بحملة تكفير منظمة على اليمنيين في الشمال والجنوب أن يتهيأ لها، وأن من يتوقعون أنهم سيهزمون الانقلاب الحوثي وسيحلون محله في (دولة اليمن الاتحادي) لم يبدأوا بعد هذه الحرب، والمؤشر المهم هو أن لا فرق بين إرهابيي السلطة وإرهابيي داعش والقاعدة، فالمنشأ واحد والحاضنة واحدة، والمدرسة والهيئة التدريسية واحدة، والفارق يكمن فقط في القدرة على التخفي والتمويه والمناورة.

إنها الحرب على البهجة والفرح التي لم تتوقف حتى في أجواء العيد التي يحاول من خلالها المواطنون البحث عن لحظة سعادة وساعات متعة بين ركام الخراب والدمار التي أنتجها الساسة الفاشلون.