فاروق يوسف يكتب:

هل هناك فرصة ممكنة؟

هناك فرصة واحدة يمكن لإيران من خلالها أن تتجنب الصدام المسلح مع الولايات المتحدة. تتلخص تلك الفرصة في القبول بالعقوبات الاقتصادية الأميركية بكل ما تحمله من آثار كارثية. 
اما لماذا تجاوزنا اللجوء إلى المفاوضات فلأن تلك المفاوضات لن تكون فرصة متاحة إلا بعد أن تسد العقوبات أمام النظام الإيراني كل الأبواب وتبقي بابا واحدة مفتوحة هي باب الحرب. 
ولأن خامنئي وهو سيد اللعبة على الجانب الإيراني لا يزال يرفض خيار المفاوضات وهو في الأساس رجل حرب فإنه سيفضل التريث في انتظار ما يمكن أن يسفر عنه التردد الأميركي في مواجهة استفزازات صغيرة قد تؤدي إلى فتح ثغرة في الجدار، من شأنها أن تقود إلى تنازلات، يكون معها الاقبال على المفاوضات من الجانب الإيراني غير مذل.
الخيال الإيراني هو أضعف من أن يفهم الواقعية الأميركية.
فترامب حين قرر أن يوقف الضربة الأميركية في آخر لحظة بسبب قناعته بأن اسقاط طائرة مسيرة من غير وقوع خسائر بشرية لن يكون سببا مقنعا لإشعال حرب كان في الوقت نفسه مطمئنا إلى أن الفأر الإيراني لن يغادر القفص في حالة عدم وقوع حرب. 
ربما أسف خامنئي لأن ترامب لم يفعلها.
إيران من جهتها لن تكف عن ارتكاب حماقات شبيهة. غير أنها ستكون حريصة على أن تكون حماقاتها بالمستوى الذي لن يؤدي إلى نشوب حرب بعد أن فهمت رسالة ترامب جيدا. 
وإذا ما كانت تلك الحماقات هي نوع من استعراض القوة بالنسبة لإيران فإن الولايات المتحدة سيكون شغلها الشاغل فرض المزيد من العقوبات ومراقبة تنفيذها من غير أن تسمح لإيران بالهروب منها عن طريق حرب، قد تحول إيران من كونها دولة مارقة ومعادية للسلام الدولي إلى دولة ضحية.
ستبقى إيران دولة ظالمة وتُحرم من الحصول على لقب الدولة المظلومة.
خامنئي الذي يملك وحده مفتاح المفاوضات لن يكون سعيدا في حال أصرت الولايات المتحدة على التلويح بخيار المفاوضات حلا لإنهاء الأزمة. ذلك يحرجه أمام الحكومة والشعب معا. وبالرغم من أن ذلك الإحراج لا قيمة له في سياق هرمية السلطة في إيران فإن آثار العقوبات التي ستشل عمل الحكومة وتضر بالشعب لا بد أن تحدث خلخلة كبيرة في الثقة التي يوليها الطرفان للمرشد الأعلى الذي سيثبت لأنه لم يكن بالمستوى الذي يؤهله لإدارة أزمة خطيرة، دفعت بإيران إلى حافات الهاوية.        
مشكلة إيران تكمن في أنها لن تكون كريمة مع نفسها من خلال خضوعها لرأي رجل لا يرى مخرجا لأزمتها إلا عن طريق الحرب. وهو خيار قد لا يكون ميسرا في ظل معادلة فرضها ترامب بشكل مفاجئ. 
فالولايات المتحدة لن ترد بعنف على استفزازات صغيرة لن تقوى إيران على توسيع نطاقها. في حالة من ذلك النوع فإن العقوبات ستستمر في خنق إيران وهو ما سيؤدي إلى إنهاء مشروعها في المنطقة تدريجيا. وهو المشروع الذي يحول الآن بينها وبين الذهاب إلى المفاوضات.
تمسك إيران بحقها في الهيمنة على المنطقة وممارسة الوصاية على شعوبها واهدار ثرواتها من خلال سباق تسلح عبثي هو الذي يقف بينها وبين اللجوء إلى منطق العقل الذي حرمت نفسها منه منذ أن اعتبرت الحرب على العالم جزءا أساسا من عقيدتها. 
غير أن إيران في ظل استمرار العقوبات ستجد نفسها عاجزة عن الإيفاء بالالتزامات التي يتطلبها مضيها في مشروعها وهو ما سيقود حتما إلى اضمحلال قدرتها على إدارة ميليشياتها وضخ أسباب الحياة فيها من خلال تمويلها بالمال والسلاح. 
وهكذا ستفعل العقوبات فعلها من غير حاجة إلى مفاوضات أو حرب.