د. سالم حميد يكتب:
الإخوان واستهداف أجيال بالتعليم الموجه
ماذا نعني بالتعليم الموجه؟ نقصد به منظومة التعليم التي كان تنظيم الإخوان المتأسلمين يتحكمون بها خلال أكثر من خمسة عقود، في العديد من دول المنطقة، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة. فتأثرت أجيال متلاحقة بسموم التنظيم وبالأداء التعليمي الذي ركز على أسلمة المناهج، وتحويلها إلى أداة لتغيير عقول الطلاب. فعملت مخرجات التعليم على تخريج مجموعات من الأفراد يسهل على التنظيم التحكم بهم، وكأنهم آلات جامدة ومبرمجة على السمع والطاعة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى تضع للتعليم أهدافاً تنموية وعلمية، وتحرص على أن تؤدي مخرجاته إلى تأسيس كوادر مؤهلة ومتحررة من الخرافات والأفكار المتطرفة. كان الإخوان يحرصون على التحكم بعقول الطلاب، وجعلهم عبيداً للتطرف وللتنظيم والمؤلفات والكتب السطحية التي لا يعترف الإخوان إلا بها.
أما طبيعة التوجيه أو التحكم بالتعليم من قبل الإخوان، فتتمثل في انتقاء واختيار كوادر التدريس والإدارة التعليمية من بين صفوف التنظيم فقط. وهنا كانوا يحققون أكثر من هدف ويستأثرون بأكثر من مفصل، الأول حرمان ومنع أي كادر تعليمي آخر لا ينتمي إلى تيارهم الظلامي من العمل في التدريس، ثم تسللوا إلى الإدارة، وأخطر مفصل في التعليم سيطروا عليه هو إدارات صياغة المناهج، حيث قاموا بتفخيخ المناهج والكتب المدرسية بكل ما يرسخ تنمية توجهاتهم في عقول التلاميذ منذ الصغر.
حتى الآن لا يزال ملف التعليم والتأثير المدمر الذي أحدثه الإخوان في هذا القطاع يتطلب معالجات مستقبلية، لأن الأجيال التي تضررت فكرياً وثقافياً كانت تحت ضغط الآلة الإخوانية التي تجيد التلقين وزرع الأخونة والطاعة العمياء. وكما نعلم فإن المدرسة لها شأن عظيم وخطير يفوق تأثير البيت والأسرة، لأن الطالب يقضي سنوات من حياته في الدراسة، من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية ثم الجامعة، وهذه فترة تكوين تكفي إما لتأسيس فرد مؤهل ومنتج أو إرهابي متطرف ومجند للترويج للتطرف كما يتلقاه.
لذلك يقال دائماً أن التعليم أقوى من السلاح، وقد عرف الإخوان منذ البداية أين يضعوا أيديهم في البلدان التي كانت في طور تأسيس قطاعاتها الحكومية منذ رحيل الاستعمار بالتدريج، ابتداء بأواخر الخمسينيات وحتى السبعينيات، فاختار الإخوان دون تردد قطاع التعليم. وعملوا من خلاله على تحويل الأفراد الذين مروا من تحت أيديهم إلى آلات تحفظ أيديولوجيا الإخوان وتكررها بغباء.
نعيد فتح هذا الملف بمناسبة فرضت نفسها، وهي وفاة سعيد عبدالله سلمان، أحد الذين تسلموا منصب وزير التربية والتعليم في الإمارات، عندما منحت القيادة الإماراتية أقطاب الإخوان المؤهلة فرصة ذهبية لإثبات الولاء للوطن، لكنهم للأسف كانوا أكثر ولاء لتنظيمهم.
كان نهج الإمارات ولا يزال يعتمد على الاستفادة من الكوادر المحلية المؤهلة، وبالتحديد تلك التي حصلت على منح للدراسة في الخارج، وعادت بمؤهلات عليا، وكانت التوقعات من قبل القيادة التي منحت جميع الكوادر ثقتها، تذهب إلى أن تلك العناصر ستقدم عصارة تجربتها لخدمة البلد في القطاعات المختلفة. ولم تكن لدى قيادة الإمارات في عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أي تحفظات على مشاركة أي شخص في العمل الحكومي وتسلم مواقع ومناصب عليا بارزة في الحكومة الاتحادية، وصلت إلى مرتبة وزير.
وأثناء عودة بعض المبتعثين للدراسة خارج الإمارات، بالتزامن مع مرور فترة قصيرة على إعلان قيام الدولة الاتحادية، تولى سعيد سلمان في البداية مسؤولية وزارة الإسكان عام 1973 ثم تقلد منصب وزير التربية، وظل يشغل هذا الموقع لفترة طويلة، ومن خلاله كجسر للتنظيم، تمكن الإخوان من التحكم بالتعليم، وبلغوا مرحلة خطيرة من زرع توجهاتهم، وصولاً إلى التحكم في البعثات الخارجية وإرسال كوادرهم وأتباعهم إلى المنح الخارجية. لذلك تعتبر مرحلة سعيد سلمان درساً يثبت أن هذه الفئة المتعصبة لا يمكنها أن تتخلى عن أجندة التنظيم وتعليماته.
لا نملك الآن سوى الحديث عن تلك الفترة للتذكير بسعي الإخوان إلى اختراق المجتمعات. أما الوزير المتوفي فقد منحته القيادة الثقة وتولى المنصب لأطول فترة في تاريخ وزارة التربية والتعليم، لكنه بعد انتهاء عمله الوزاري غادر الدولة وتوفي في الخارج، وفي النهاية لا يحتضنك سوى وطنك، لذلك الأجدر بكل إنسان أن يبادل وطنه الوفا.
كانت السيطرة على التعليم خطوة مكنت الإخوان من التوغل في الجهاز الحكومي وفي المجتمع. وطبقاً لتقييم الإخوان لتلك الفترة، يعترف أحد كوادرهم في دراسة منشورة أنهم استفادوا من تقلد وزير إخواني منصب وزير التربية في الإمارات، فقاموا بالعمل على نشر أدبيات الإخوان وبدأوا بجهود لإقناع السلطات ببحث منع ما يصفونه بالاختلاط في الجامعات، وكان لهم ما أرادوا.
أعد الإخوان في الإمارات وغيرها كوادرهم للتغلغل في التعليم وكافة المفاصل الحيوية والمؤثرة. وعبر جمعياتهم مثل جمعية الإصلاح التي كانت الغطاء التنظيمي لهم، عملوا على تنشئة الكوادر الإخوانية واستقطاب المزيد من الأفراد وصغار السن، وكرروا تجربة إخوان الكويت الذين سبقوا بتشكيل جمعية لنفس الغرض.
بالنسبة للتأثير الخطر الذي مارسه الإخوان في الإمارات خلال مرحلة الوزير سعيد سلمان، كانت مرحلة ما بعد 1977 هي الأكثر تأثيراً، وذلك عندما هيمنوا على إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم، وقاموا بتوظيفها لصالحهم، عبر إصدار 120 مقرراً دراسياً اعتبرها الإخوان أحد أكبر إنجازاتهم، بحسب دراسة نشرها الاستاذ منصور النقيدان.
ثم أصبح الجواد الرابح للإخوان في اختراق التعليم سعيد سلمان رئيساً لجامعة الإمارات، فعمل على تسهيل سيطرة الجماعة على اتحاد الطلبة الإماراتيين. ومن خلال التواجد المكثف للإخوان في إدارة البعثات الخارجية، عملوا على ابتعاث الموالين لهم للدراسة في الخارج، ولم يكتفوا بهذا القدر، بل كانوا يتابعون المبتعثين، وعملوا على تأسيس فروع لاتحاد الطلبة في الخارج تحت سيطرتهم، لضمان عودة المبتعثين.