فاروق يوسف يكتب:
رسامون لا يقرأون
يكاد الرسم في العالم العربي أن يكون نوعا من الصناعات اليدوية التي يمارسها أناس أميون. لا أبالغ إذا ما قلت إن قلة من الرسامين هي التي تقرأ.
من الصعب اليوم العثور على رسام مثقف. الإدعاء بالوجاهة الثقافية هو الغالب من خلال مظاهر، سرعان ما تكشف عن خواء لا يمكن توقعه.
لا علاقة لأولئك الرسامين بالكتاب الذي هو واحد من أهم مصادر الثقافة. لا يعثر المرء في مراسم أولئك الرسامين وبيوتهم على أثر للكتاب. إنهم أبناء ثقافة سمعية، يرددون ما يسمعون. لذلك فإن البعض منهم يعرف بما لا يعرف، فهو يردد مقولات وجملا جاهزة لا دلالة لها قياسا بتجربته في الرسم.
لم يكن صديقي رافع الناصري فريدا من نوعه في زمانه من جهة ثقافته، غير أنني لم ألتق في حياتي رساما ينافسه في شغف القراءة، حتى شاكر حسن آل سعيد الذي كان مولعا بالكتب، فإنه لم يكن يقرأ إلاّ ما يناسب نظرياته الغامضة.
الناصري وحده كان مولعا بقراءة الكتب لا من أجل أن يكون مثقفا، بل لأنه كان يقرأ استجابة لعادة القراءة اليومية. قلت له ذات مرة “أنت قارئي الأول” وكنت أخشى رأيه بما أكتب، فقال لي “تأكد أن هناك مَن يتفوّق عليّ في القراءة”.
رسامو اليوم لا يقرأ الكثيرون منهم وهم إن وضعتهم على خارطة الفن عبر العصور فإنهم سيضيعون. هناك من يجهل مَن هو بوتشيلي، وهناك مَن لا يعرف معنى عصر الباروك، وهناك مَن يجهل ما الذي فعله سيزان؟
وهنا تكمن المشكلة الأعظم، ذلك لأن أولئك الرسامين يجهلون تاريخ الرسم، فكيف نطالبهم بقراءة الروايات والشعر والفلسفة؟
أعتقد أن الموضوع ميؤوس منه، لذلك لن يكون مفاجئا أن يكون الرسامون مجرد صناع حرفيين، ينفذّون أعمالهم بقوة ما تعلّموه وهم يكرّرون أنفسهم، ولا يملون من التكرار ما دامت لوحاتهم رائجة في السوق، بدلا من أن يثقفوا متلقي أعمالهم تحوّل أولئك الرسامون إلى وسيلة للإفقار الثقافي.