فاروق يوسف يكتب:
خطر إيران على العالم
لو لم تشعر الولايات المتحدة بأن إيران صارت تشكل خطرا على المجتمع الدولي من خلال برنامجها التسليحي لما فرضت عليها عقوبات اقتصادية، معها سيكون من الصعب الاستمرار في ذلك البرنامج. بل إن النظام الإيراني في ظل تلك العقوبات لن يتنفس إلا هواء ملوّثا بعجزه عن أداء رسالته في تصدير الثورة. إيران في حقيقة ما تفعله لا تدافع عن نفسها.
ما من أحد يهدد إيران. لقد أُزيلت الدولة لتي كانت تقف أمام أطماعها في العالم العربي. فبعد الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس صدام حسين انفتح أمام إيران الباب لغزو الشرق الأوسط لتحقق من خلال ذلك الغزو حلمها في أن تكون جارة لإسرائيل.
غير أن ما تبيّن في ما بعد أن الوصاية على الشيعة لم تكن إلا وسيلة للوصول إلى منابع النفط. وهو ما كانت إيران تخطط له بدراية وعمق خبيثين. ذلك ما صار العالم على بينة منه. صار واضحا أن إيران التي كانت في طريقها لامتلاك السلاح النووي، تخطط إلى أن تفرض نفسها على أوروبا باعتبارها جارة مزعجة يمكنها أن توجه صواريخها إلى كل مدنها.
إيران لم تكن يوما ما مسرورة بأن تكون جارة للعرب. هناك عقدة تاريخية أضفى عليها الخميني طابعا عقائديا هي السد الذي يقف بين إيران وإمكانية أن تفهم حقائق الجغرافيا وتعترف بها، ناهيك عن المنظومة السياسية الحديثة التي لا تتعامل إيران معها بطريقة جادة.
وإذا ما كان الاتفاق النووي قد وهبها غطاء مريحا لتنفيذ مشروعها الهادف إلى اكتساح العالم العربي، فإنها استطاعت من خلال الأموال الطائلة التي حصلت عليها بسبب ذلك الاتفاق تطوير برنامجها الصاروخي، بحيث صارت مطمئنة إلى أن الفضاء صار مفتوحا أمامها لتصل إلى أهداف، لم تكن مُدرجة من قبل في برنامجها.
لقد التقت المصالح العربية بالمصالح الأميركية في لحظة تاريخية نادرة. وهو ما دفع الجميع إلى فهم مستوى الخطر الإيراني
إيران التي أزعجت العرب بنزعتها العدوانية وسّعَتْ بعد الاتفاق النووي من دائرة أعدائها المحتملين بحيث أنها كانت مستعدة لحروب، تجاوزت خرائطها حدود المنطقة حتى لو لم يعلن الطرف الأميركي انسحابه من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية.
ذلك ما أدركه الأميركان وإن ظل الأوروبيون في حيرة من أمرهم. ذلك لأنهم كانوا يتفهمون المخاوف الأميركية وفي المقابل فإنهم حاولوا أن يكبحوا جماح الوحش الإيراني، ممنين أنفسهم بإمكانية أن يتراجع النظام الإيراني عن أوهامه في إلحاق الهزيمة بالعالم.
الأوروبيون، كما الأميركان، يدركون جيدا أن إيران في ظل تركيبتها العقائدية لا تضع في برامجها المستقبلية أن تكون دولة، يمكن أن يضمها إطار دولي، تعترف بقوانينه وتتصرف في سياق ما يمليه عليها من واجبات ومسؤوليات. إيران في حقيقتها ليست هي الدولة التي يعول عليها في مجال العلاقات بين الدول المتحضرة. فهي ليست محل ثقة في مجال احترام مصالح الآخرين. ذلك لأنها من خلال علاقتها بجيرانها العرب قدمت أسوأ نموذج لما يمكن أن تصل إليه الهمجية من إسفاف وتخلف.
يدافع البعض عن حق إيران في أن تتحول إلى قوة إقليمية، متناسين أن تلك القوة إنما تفرض نفسها على منطقة يحتاجها العالم في كل لحظة بسبب حاجته إلى الطاقة. فهل يمكننا أن نتخيل قبول العالم بفكرة استسلامه لإيران، باعتبارها القوة المهيمنة على مصادر الطاقة؟
من السخف توقع أن الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، سيقبل بفكرة من ذلك النوع. وهي فكرة لا يراهن عليها سوى المعتوهين ممن ضيعوا عقولهم في دهاليز الخرافة وسحر المرويّات التي لا تمتُّ إلى العالم المعاصر والفكر الحديث بصلة.
إيران تفكر بطريقة قديمة يفرضها عليها واقعها العقائدي الرث، وهي لا تعرف شيئا مما يجري في العالم. وإذا ما كانت انتصاراتها في العراق ولبنان واليمن قد أوهمتها بأن الطريق صارت أمامها سالكة لتقف باعتبارها جارة للدولة العبرية يمكن أن تكون موقع ثقة، فإن تطورات كثيرة وقعت في العالم العربي تقف اليوم حائلا دون بلوغ المشروع الإيراني أهدافه.
لقد التقت المصالح العربية بالمصالح الأميركية في لحظة تاريخية نادرة. وهو ما دفع الجميع إلى فهم مستوى الخطر الإيراني. فإذا كانت إيران يوما ما تشكل خطرا على العالم العربي، فإنها اليوم تشكل خطرا على العالم بأجمعه.