د. سالم حميد يكتب:

التقلبات وتزايد الخصوم من علامات فشل أردوغان

مع مرور الوقت، سقطت الصورة المثالية التي كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يروج لها عن نفسه، ويستخدم مجموعات إخوانية موالية لتلميع شخصيته. حيث سبق أن لاحظ الجمهور العربي في مناسبات عديدة كيف كانت الأحداث المحلية والانتخابات في تركيا تتحول إلى شأن من شؤون جماعة الإخوان وإعلامهم وصفحاتهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. حتى أصبح بعض الإخوان العرب يعتبرون تركيا قبلتهم، وربطوا مصيرهم بمصير أردوغان، وهللوا له وصنعوا منه نجما وهميا.

كما وجهوا سهام النقد والاتهامات بالتطبيع إلى بعض الحكومات العربية، بينما يتجاهلون أن زعيمهم أردوغان يحافظ على اتفاقيات تعاون عسكري وثيق مع إسرائيل، وأن الوفود التركية والإسرائيلية تتبادل الزيارات بأريحية وانتظام. فهل التطبيع التركي “حلال” لأنه برعاية إخوانية عثمانية؟

يحصد أردوغان علامات فشل متجددة، بدأت بتزايد الخصوم وحدوث الانشقاقات الكبرى وانزواء قيادات أساسية من حزبه أو انسحابها من المشهد، ثم جاء الانهيار الكبير لليرة التركية، وهذا الأمر الحساس ضغط بشدة على أردوغان، وأضيفت إليه خسارة حزبه لدوائر هامة في الانتخابات المحلية الأخيرة، أبرزها الخسارة المدوية في إسطنبول، رغم لعبة إعادة التصويت، التي وجهت صفعة مزدوجة لحزب أردوغان، وأعطت مؤشرا بانحسار شعبية الحزب وأردوغان في الوقت نفسه.

ويبدو أن أردوغان ندم بشدة على تصريحاته التي تم تداولها، ومفادها أن من يحسم الانتخابات المحلية ويفوز بإسطنبول يمكنه أن يحسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ومنذ فوز المعارضة بإسطنبول وأردوغان يعيش في حالة من التوتر وينتظر مصيره، رغم تحذيرات شركائه ورفاقه القدامى التي تكررت، لكنه لم يعد يصغي إلا لأوهامه وشعوره النرجسي بالعظمة والروح السلطانية التي تسيطر عليه.

انكشفت الصورة الزائفة لأردوغان بالتدريج، حتى لدى من كانوا يعتقدون أنه المنقذ العثماني الجديد. وقد تحول إلى دكتاتور هو الأسوأ في تاريخ تركيا، بعد أن أقصى من ساعدوه وعملوا معه منذ البداية، وخاصة الذين شاركوه في الصعود إلى الحكم، ثم عمل على تهميشهم.

يعرف الجميع في تركيا أن أردوغان لم يكن بمفرده، عندما خدمت الظروف جماعته وحزبه للوصول إلى الحكم. بل كان إلى جانبه شركاء أكثر منه ذكاء وشعبية. وهم الذين وضعوا البرامج والخطط التي حافظت بنسبة معقولة في البداية على التوازن بين مشروع الأسلمة التدريجية، وبين علمانية المجتمع التركي الراسخة، التي يصعب المساس بها أو الصدام معها. أما ملامح الازدهار المؤقت والطفرة التي حدثت في الاقتصاد، فلم يكن لأردوغان بمفرده أي دور في صناعتها، بل ثبت بعد مرور سنوات قليلة أن شخصية أردوغان سوف تحسب في صفحات التاريخ ضمن أسوأ من حكموا بلاد الأناضول.

فما إن تفرد بالحكم وأصبح الرجل المسيطر، حتى بدأت الانهيارات وتضاعف انحدار سعر العملة التركية، وبدأ أردوغان يكثر من الخطابات الجماهيرية واختراع مناسبات للظهور للبحث عن حلول لإنقاذ شعبيته، فلم يجد ثمنا لذلك سوى المتاجرة بالمزيد من المواقف التي كان يستخدمها بأسلوب عاطفي مبتذل. وأحدث ضحايا المتاجرة في أجندة أردوغان هم أقلية الإيغور في الصين، حيث ظل يشجعهم ويستقطب بعض رموزهم ويدفعهم إلى الصدام مع الحكومة الصينية، لكنه بعد أن حصل على وعود صينية بدعم الليرة التركية، تخلى مباشرة عن التعاطف مع الإيغور، وتركهم لمصيرهم، بعد توريطهم في الصدام مع قوانين الصين الصارمة، التي يتم تطبيقها على كل القوميات الصينية، وليس على المسلمين فقط كما يروّج البعض.

تاريخ أردوغان في التقلبات وبيع المواقف وصناعة الفشل، يحفل بأرقام وقصص وشهود من رفاق دربه، وخاصة من القيادات البارزة التي كان يخشى بشدة أن تسرق الأضواء وتصعد بدلا منه، بعد أن أوصل تركيا إلى طريق مسدود، وتاجر بكل القضايا، فتلونت مواقفه على سبيل المثال تجاه الملف السوري أكثر من مرة. وخلط بين الادعاء بتأييد الشعب السوري والتعاطف الكاذب مع الضحايا، وبين وتحالفه مع روسيا وإيران. كما استخدم ورقة مقتل الصحافي جمال خاشقجي للابتزاز. وظل يدعم المجموعات الإرهابية الإخوانية ويوفر لها بيئة آمنة، كما سهل مرور المتطرفين ومقاتلي تنظيم داعش عبر مطارات وحدود تركيا.

أحدث مؤشرات إخفاق أردوغان، ظهرت في قراره غير المجدي الذي صدر السبت الماضي، متضمنا إقالة محافظ البنك المركزي، نتيجة خلاف مع المحافظ يتعلق بخفض أسعار الفائدة لمواجهة الكساد ودعم الليرة. في محاولة من أردوغان لتجاهل حالة التراجع الاقتصادي الحاد، والذي لا يمكن لإجراءات إدارية أن تعمل على تغيير مساره.

يستنتج المتابعون لمصير أردوغان أن ما فعله بتركيا نتيجة لميوله نحو القمع والاستفراد بالسلطة، وأن رحيله المفاجئ بالوفاة أو بأي سبب سوف ينهي حقبة كرتونية حاول الإخوان تلميعها وتسويقها كصورة مثالية. بل إن البعض بدأ يتحدث في تركيا بالفعل عن قرب نهاية حقبة أردوغان، ويتجه رموز من الذين أسسوا مع أردوغان حزب العدالة والتنمية إلى تأسيس بدائل جديدة للانشقاق، وأبرزهم وزير المالية السابق علي باباجان، الذي تقول مصادر إنه في الطريق إلى تأسيس حزب بديل لحزب أردوغان بالتعاون مع عبدالله غول.

 أما رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يعتبره البعض أحد أشهر المنظرين الذين دعموا أردوغان في بداية صعوده، فيتداول الإعلام رسالة نقدية وجهها إلى أردوغان، تشرح الكثير من أسباب فشله وتتهمه بالتسبب في حدوث التوترات الداخلية والعجز عن التقاط وترجمة الحس المشترك للأتراك. وهذا ما يجعل مؤشرات انهيار المرحلة الأردوغانية تتزايد، وبشهادة من داخل المنظومة، ذاتها، التي أوصلت أردوغان إلى الحكم.