أزراج عمر يكتب:
الجزائر: أخطار منتدى الحوار على الحراك الشعبي
منذ إلقاء رئيس الدولة الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح لكلمته التي دعا فيها الأسبوع الماضي إلى حوار وطني للتمهيد للانتخابات الرئاسية المطروحة من طرف النظام الحاكم كآلية تضمن حل الأزمة الجزائرية، وهي الدعوة التي يرفضها الحراك الشعبي، والمشهد السياسي الجزائري يشهد سيلا من المبادرات المقدمة من أحزاب محسوبة على المعارضة في محاولة لإيجاد حلول توافقية لما يسمى بالأزمة الجزائرية، وهي في الحقيقة أزمة النظام الحاكم وذلك جراء عدم تجسيد هذا النظام الحاكم لجميع مطالب الحراك الشعبي المرفوعة منذ انطلاقته في 22 فبراير الماضي.
في هذا المناخ المتوتر قام منتدى الحوار الوطني لما يسمى بتكتل قوى التغيير يوم 6 يوليو الماضي بعقد ندوته برئاسة وزير الاتصال الجزائري السابق عبدالعزيز رحابي ومشاركة فصيل غير ممثل شرعيا للمجتمع المدني الجزائري بكل تنوعاته، وعدد من أحزاب المعارضة المترهلة فضلا عن مجموعة من النشطاء السياسيين الذين ينتمي بعضهم إلى جوقة النظام الحاكم بحكم تاريخهم المعروف وبعضهم يتميز بشد العصا من الوسط والبحث عن موقع يمكن أن يوصل إلى أعلى هرم السلطة في المدى المنظور.
ولا شك أن عدم الحضور الفعلي لوزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي المعول عليه من طرف الأحزاب الإسلامية الأصولية، وذي النزعة المعروفة في الجزائر بالباديسية (نسبة إلى رئيس جمعية المسلمين الأسبق الإمام عبدالحميد بن باديس) وشخصيات سياسية معروفة أخرى في هذه الندوة دليل واضح على وجود خلافات عميقة مفصلية بين أهداف التشكيلة الرسمية لمنتدى الحوار الوطني وبين وجهات نظر بعض الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الجزائري.
في هذا السياق يلاحظ أن ثمة من يستغرب تضخم المبادرات الفردية حينا والجماعية حينا آخر التي تنهال على المشهد السياسي الجزائري، وهناك من يعتبرها بمثابة محاولات لتحقيق الانفراج السياسي، وهناك أيضا من يرى أن الجوهر الخفي لنوايا أغلب أصحاب هذه المبادرات هو خلط الأوراق أو التموقع السياسي أو الاصطفاف إلى جانب أطروحات النظام الحاكم راهنا وتوجيه ضربة للحراك الشعبي قصد تقسيمه.
في هذا المناخ برزت وجهات نظر نقدية مختلفة حول هذه المسائل ونورد هنا بعض الآراء والتحليلات التي أفادنا بها محللان سياسيان جزائريان ينشطان في الحراك الشعبي وهما أستاذ التعليم العالي علي قسايسية وأستاذ الإعلام رضوان بوجمعة. في تقدير الدكتور علي قسايسية أن “هناك مجموعة من زعماء أحزاب المعارضة المفبركة والشخصيات المغضوب عليها من قبل بوتفليقة ومقربيه وبعض الموالين لبقايا أفراد العصابة المتمسكة بالسلطة تم تكليفهم بعد خطاب بن صالح، بإجراء ندوة شكلية تقدم اقتراحات حول تشكيل هيئة مستقلة عن مؤسسات الدولة لتنظيم انتخابات رئاسية مع بقاء بن صالح على رأس الدولة ونورالدين بدوي على رأس الوزارة الأولى، الأمر الذي رفضه وسيرفضه الحراك الشعبي رغم الضغوط والمضايقات والممارسات القمعية المبطنة والظاهرة. والواقع أن المشاركين في حوار بن صالح هم عبارة عن مقاولين سياسيين من الباطن، أوكلت لهم مقاولات تحالف سياسي عسكري مالي لتمكين الحلف الشيطاني من العودة إلى سدة الحكم في ثوب جديد، وهم على استعداد تام لتقاسم الكعكة مع بقايا العصابة”.
ولا شك أن مخرجات ندوة منتدى الحوار قد كشفت أيضا عن اصطفاف المشاركين فيها مع النظام الحاكم وليس مع مطالب الحراك الشعبي وهذا ما يبرزه رضوان بوجمعة بقوله “عندما تقرأ وثيقة الندوة أول ملاحظة تجدها منذ الجملة الأولى هي غياب الدقة في الطرح، والدقة اللغوية، وعدم وضوح التصور في المقارنة بين النص والتدخلات الشفوية التي تمت. فالوثيقة تتحدث تارة عن الثورة السلمية، وعن الهبة الشعبية تارة أخرى وعن الحراك في فقرات أخرى، وهي كلمات تحمل دلالات مختلفة لغويا وفلسفيا وسياسيا. وبعيدا عن الانتقادات الشكلية واللغوية فإنه يمكن التوقف عند التساؤل المركزي التالي: هل من حرر الوثيقة يريد إنقاذ منظومة الحكم، أو إنقاذ الدولة، أو المحافظة على الأمة، أو الانتصار للثورة؟
أعتقد أن تركيز الوثيقة على الذهاب في أسرع وقت ممكن إلى الانتخابات الرئاسية يوحي بأن هذا النص يتناغم مع آخر خطاب لرئيس الدولة الذي انتهت شرعيته الدستورية يوم 10 يوليو الحالي، كما يعبر عن طموح جزء من الطاقم السياسي لركوب قطار الثورة بغية الوصول إلى قصر المرادية بمباركة السلطة الفعلية. ولذلك كله أرى أن الانتقادات الموجهة للنص لا تقل أهمية عن مسار وهوية غالبية من حضر الندوة، والذين يمكن التأكيد أن الكثير منهم على علاقة بمختلف صالونات وعصب وعصبيات منظومة الحكم. وأن انشغال الكثير منهم ضمان لاحتكار العصب للسلطة عوض التداول على الحكم ديمقراطيا وبناء دولة حديثة تخرج الجزائر من جنون سلطة الشخص الواحد، ومن منطق السلطة بشكل عام إلى منطق الدولة”.