أزراج عمر يكتب:
لماذا يفتقد الحراك الجزائري للقيادة
لقد تبيَن الآن بوضوح أن مؤسسات النظام الجزائري الحاكم أصبحت شريكة في تحريك أحزاب الموالاة وبعض الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي وشخصيات أخرى معروفة بانتمائها التقليدي لمنظومة السلطة سعيا لاحتواء الحراك الشعبي أو لإلغائه نهائيا.
في هذا المناخ بدأ المواطنون الجزائريون يطرحون أسئلة ساخنة حول أسباب وخلفيات إحجام الحراك الشعبي الجزائري عن تشكيل قيادة وطنية له نابعة من القاعدة الشعبية عبر بلديات الوطن التي يقدر عددها بـ1541 بلدية، لتكون قوة سياسية حاسمة في المشهد السياسي الوطني تتكفل بإنجاز عملية التحول الديمقراطي.
وفي هذا الخصوص يرى بعض الناشطين في الحراك الشعبي أن السبب الجوهري في عدم تكوين هذه القيادة السياسية يتمثل في أن الحراك الشعبي هو شعاراته ومطالبه وليس حزبا سياسيا له تنظيم هيكلي يضبط أعضاءه، ويعتقد فريق آخر من هؤلاء أن تشكيل قيادة لهذا الحراك قد يعرض الناشطين فيه إلى الاختراق أو إلى الإغراء بالمناصب، أو إلى العقاب المادي من طرف المسؤولين الكبار في أجهزة السلطة المختلفة، وهناك من يبرز سببا آخر يتلخص في كون الحراك ليس رابطة تنتمي إلى المجتمع المدني، وإنما هو ظاهرة شعبية في صورة فسيفساء مشكل من تنوع المواطنين والمواطنات والتيارات المطالبة بالتغيير السياسي ومحاسبة المسؤولين المنحرفين الذين تسببوا في إشاعة الفساد بكل أنماطه في المجتمع الجزائري.
ومهما تكن هذه المبررات المقدمة فإن عدم تشكيل الحراك الشعبي لقيادة منظمة عبر الجزائر العميقة ومؤمنة حقا بمشروع الديمقراطية والمواطنة قد فسح المجال واسعا لظهور ما يسمى بركَاب الموجة والانتهازيين الذين يسعون بكل الوسائل إلى تحقيق المكاسب الشخصية، والانفلات من المحاسبة. وزيادة على ذلك فإن تعدد الأهواء الفردية والتيارات فيه هو الذي يصعَب إنشاء قيادة موحدة للحراك الشعبي لها برنامج توافقي يتجاوز نطاق إبطال العهدة الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ومحاربة فساد المسؤولين إلى أفق بناء طور المجتمع العصري المتزامن مع العمل على تأسيس طور الدولة الحداثة على قاعدة المواطنة وليس الانتماء الديني أو الإثني أو السياسي البراغماتي الشكلي.
لا شك أن هذا الوضع يبرز أن المجتمع السياسي والمجتمع المدني الجزائري لم يتطورا بل هما لا زالا يدوران حول شكل الحكم وأشخاصه، وليس حول رهان دولة الحداثة الغائب حتى الآن في الساحة الوطنية، ربما بسبب غياب مجموعات التفكير لدى الحراك الشعبي أو لدى المؤسسات الجامعية والثقافية الوطنية، أو بسبب التصحر الفكري عند الشريحة المتحكمة في أجهزة السلطة.
لا شك أن هذا الفراغ الهائل قد أفضى سابقا، وسيفضي لاحقا إلى ترك المجال واسعا لمنظومة النظام الحاكم أن توظف لصالحها كل هذه السلبيات المذكورة، بالإضافة إلى استغلال تباينات فسيفساء الحراك الشعبي لكي تكسب الهيمنة وتتموقع من جديد ضمن أطر أجهزة الدولة التقليدية القديمة، وتبقي أيضا على البنية السياسة والثقافية والذهنية التي أفرزت طوال فترة الاستقلال حتى يومنا منظومة النظام الحاكم وطاقمها البشري.
في هذا السياق يبدو أن الرهان الحالي للنظام الجزائري لي ذراع الحراك الوطني بالتقسيط، وحماية الأعضاء المفروضين على المجلس الدستوري ومجلس الأمة والغرفة السفلى من البرلمان بطرق غير نزيهة وبواسطة آلية الثلث الرئاسي غير الديمقراطي الذي احتكره بوتفليقة وجوقته لضمان البقاء في الحكم. ولتجاوز هذا الوضع هناك من يدعو الحراك الشعبي إلى التخلص من روتين المظاهرات في الشوارع والساحات العامة وإبداع أشكال أخرى من المقاومة السلمية الرادعة ضد كل الجهات التي تنفذ الآن سيناريو سرقة الهبة الشعبية أو توظيفها لصالحها، وتقدم نفسها بأنها جزء عضوي من الحراك الشعبي وذلك بالقيام بتنظيم الجزائريين والجزائريات في البلديات والدوائر والمحافظات لتكوين درع شعبي يناهض سياسة الاحتواء والتضليل الإعلامي.
ويلاحظ أنه في بحر هذا الأسبوع قال عبدالقادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني المجهري بأنه يتصدر طليعة الحراك الشعبي، ثم أبرز أنَ اختيار عضو قيادي بحزبه لرئاسة البرلمان هو استجابة لمطالب الحراك الشعبي مع العلم أن ما حدث تحت قبة البرلمان (الغرفة السفلى) ليس كذلك، بل إنه يدخل مباشرة في إطار الامتثال لأوامر صادرة عن القيادة الفعلية للبلاد وطبقتها أحزاب الموالاة ذات الأغلبية في البرلمان وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يأتمر الآن بأوامر الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح وأحزاب مجهرية أخرى.
ويرى محللون سياسيون أن فرض عضو قيادي من حزب حركة البناء الوطني الإسلامي على رأس البرلمان يبدو بمثابة إعادة الاعتبار للأحزاب الإسلامية الصغيرة، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، حيث أن هدف السلطة الحاكمة هو خلق التصدعات في بنية التعددية الحزبية الجزائرية وتجريب ورقة الأحزاب الإسلامية والتلويح بها ضد ما يسمى بأحزاب المعارضة العلمانية، ويصبَ هذا السيناريو في التمهيد لتحقيق السيطرة على الانتخابات الرئاسية القادمة.
يريد النظام الجزائري القفز على النسق السياسي المنتج لسياسات الفساد المالي، وخنق التنوع الثقافي واللغوي الوطني، وخرق القوانين التي تحمي المجتمع المدني ومبدأ المواطنة، وتحطيم التعددية الحزبية وتعميق التخلف وإدخال المجتمع الجزائري في أزمات بنيوية معقدة وفي مقدمتها تكريس الأزمة الاقتصادية، وتخريب المنظومة التعليمية بكل أنماطها.